عن المشير جعفر محمد نميري الذي حكم السودان في الفترة من مايو 69 إلى أبريل 1985م وكان أول رئيس للجمهورية قال الكاتب الصحفي المصرى الراحل موسى صبري في مذكراته التي نشرها في كتاب من 1018 صفحة تحت اسم (50 عاماً في قطار الصحافة) في صفحة (551) ما يلي: «كيف رأيت جعفر نميري لأول مرة؟ كان ذلك في اليوم السادس والعشرين من مايو 1969م كنت رئيس تحرير الجمهورية نقلت إذاعات العالم في اليوم السابق أن الجيش السوداني قام بثورة ضد النظام القائم وتألف مجلس للثورة برئاسة اللواء جعفر نميري وقد أطلق على هذه الثورة بعد ذلك اسم ثورة مايو. وكان مطار الخرطوم مغلقاً ولكن مندوبنا في المطار أبلغني بأن طائرة مصرية ستقلع إلى الخرطوم وكنت في الخرطوم بعد ساعات . وبعد الظهر دعيت من أحد الوزراء الجدد وهو زميل الدراسة وصديقي أحمد الطيب عبدون للتوجه إلى القصر الجمهوري لحضور أداء الوزارة الجديدة برئاسة بابكر عوض الله اليمين الدستورية أمام مجلس الثورة. وهنا رأيت نميري لأول مرة وبعد أداء اليمين اصطحبني في سيارته العسكرية الجيب إلى معسكر قادة القوات المسلحة حيث تم اللقاء وقد كتبت في وصفه حينئذ (شاب مديد القامة، عريض الصدر، منتصب القامة، خفيف السمرة، إبتسامته متواضعة ولكن خطواته سريعة جسورة، لا أعرف كيف أصف لك قسمات وجهه حتى بعد أن جلست إليه أكثر من ساعة ممتعة وكان هذا اللقاء الأول أول تعريف للرأي العام في مصر والبلاد العربية لقائد الثورة جعفر نميري». ويقول موسى صبري: «لعل أهم ما قاله لي في هذا اللقاء إنه لا يعتزم إصدار دستور جديد وإن الشعب كفر بحكم الأحزاب وفساد هذه الأحزاب وقد صبر طويلاً» . ونكتفي بهذا القدر من الكتاب الجميل السلس المهم ذي القيمة التاريخية الكبيرة، خاصة وأن كاتبه هو أحد نجوم الصحافة المصرية والعربية خلال النصف الثاني من القرن العشرين وقد مات في التسعينات وولد عام 1924م وتخرج في كلية الحقوق وعمل بالصحافة وشغل مناصب مرموقة، منها رئاسة تحرير (الأخبار) التي أسسها مصطفى وعلى أمين، و(الجمهورية) التي أسسها الرئيس عبدالناصر . وكانت علاقته حميمة مع السادات فقد جمعهما في الأربعينات معتقل الزيتون ولما أصبح السادات رئيساً لمصر عام 70 توطدت علاقة موسى صبري معه أكثر وكان من أقرب الصحفيين المقربين إليه وقد كتب بعض خطبه ورافقه في زيارته الشهيرة لإسرائيل وظل يبرر سياساته ويدافع عنه حتى النهاية. وكانت علاقته بصفة عامة مع الرئيس نميري طيبة وإن تخللتها أزمة أو اثنتان، وقال في كتابه إنه الكاتب المصرى الوحيد الذي لم يهاجم الرئيس نميري وإنهم في مصر كانوا على أوثق وأحسن العلاقات مع نميري ومجموع ما كتب في الصحافة المصرية تمجيداً لنميري يملأ ناطحات سحاب فكيف ينقلبون عليه بين عشية وضحاها . وطبعاً حدث هذا الانقلاب بعد 6 أبريل 1985م.