عفاريت التزوير لم يتركوا شيئا، وباتوا يتوغلون في أدق الأشياء، يرصدونها، ويقلدونها، ويدفعون بها للأسواق ! تقليد الأشياء بقصد التزوير، غش للآمنين المطمئنين، الذين يدفعون من مالهم، ليحصلوا على الشيء الأصلي.. لا المقلد، لكن الأمر يتعدى مجرد الغش، حين يؤدي للكوارث، والفواجع، والهلاك. عمليات التقليد والتزوير لم تستثن شيئا، بدءاً من العملات النقدية، أي ما يسمى بالتزييف، مروراً بالإلكترونيات والأجهزة الكهربائية، وانتهاءً - وهذا أخطرها - بالأدوية ! قبل سنوات، سمعنا عن سيارة يابانية تم تقليدها، وتصنيع شبيهة لها لدرجة التطابق شكلاً، وتم تسويقها بثمن زهيد جداً، ليكتشف الضحايا أنهم اشتروا الكرتون !! والمهووسون بالساعات، وماركاتها العالمية المشهورة، سقط الكثيرون منهم ضحايا هوايتهم، حيث تورطوا في شراء ساعات تحمل أسماء عتيدة ومعروفة، ودفعوا فيها مبالغ باهظة، ليكتشفوا أنهم وقعوا في فخ النصابين، وأن ما اقتنوه، مجرد تقليد، ولا يساوي سوى جنيهات قليلة، قياسا بآلاف الجنيهات التي دفعوها ! صديق من المبتلين بالصداع منذ صغره، وخصوصاً في حرارة الصيف، قال لي إنه لاحظ أن بعض أقراص الصداع المشهورة، التي تباع في أسواقنا المحلية بعبوات متعددة، وأشكال مختلفة، لا تؤثر أبدا في صداعه، في حين أن بعضها الآخر، من نفس المادة الطبية المسكنة، تبعث الراحة في رأسه بعد ساعة أو أقل من تناولها ! سألته عن تفسيره للحالة، فقال دون تردد: بعض هذه المسكنات مزورة !! المشكلة طبعاً ليست في مسكنات الصداع، فهذه بسيطة، لكن المصيبة تكبر وتتعقد حين تمتد لأدوية حساسة، بعضها قد تتوقف عليه الحياة، فتكون مزورة، ويداوم المريض عليها، ليحظى أخيراً بالأذى، والتدهور، وربما الهلاك . أمر قاس جداً أن يمتد التزوير للأدوية، فيتناول المريض مواد لا أحد يعلم ما تحتويه من سميات، ويشتريها بقصد مداواة مرضه، فيكون قد اشترى المزيد من الأذى لصحته، ومن ماله .. لا مال غيره !! المشكلة أن الأدوية لا تتوفر فقط في الصيدليات المرخصة، فبعضها يتم عرضه في طبليات الباعة الجائلين تحت أشعة الشمس، وبعضها يباع في البقالات، كما أن كثيراً جداً من الأدوية الخاصة بالجلد والبشرة، تباع في محلات تبيع أدوات التجميل، هذا عدا أدوية الأعشاب، وبعضها معلب بأشكال أنيقة لا يعرف أحد أين يتم تجهيزها، وتحتوي مواد كيماوية غير منضبطة، ويمكن أن تكون مدخلاً لكوارث .. إذا وصفت لمرضى السكري أو الضغط أو القلب أو غيرهم . سوقنا مليء بالسلع المقلدة، والمزورة، ونظرة سريعة للمعروضات بالدكاكين، والطبليات، والمعارض المفروشة أرضاً، تكشف حجم مصيبتنا. لكن .. كله يهون .. إلا الأدوية .. إلا الأدوية !