كان ولا يزال أحد مؤسسي المؤتمر الوطني ومن المدافعين عنه وهو من رجالات الحركة الإسلامية ومخضرميها ومن الذين كانوا مقربين من د. حسن عبد الله الترابي فكان نائباً سابقاً لأمين المؤتمر الوطني الموحّد، عُرف بالهدوء والحكمة وسعة الأفق وبُعد النظر في حالات الشدائد. صمد في صفوف الحركة الإسلامية في كل مراحلها ولم يبدل تبديلاً. قبل وبعد انقسام الإسلاميين ظل المشهد السياسي يبدو أمامه واضحاً لنفاذ رؤيته كقيادي إسلامي أسهم بقدر واسع في مسيرة الحكم الفيدرالي والعمل البرلماني، وكقيادي سياسي عاصرته التجربة، فقد واكب مراحل مختلفة من تطور العملية السياسية في السودان وتطور تجربة الحركة الإسلامية منذ أن كانت إطاراً صفوياً محدوداً إلى أن أصبحت إطاراً لحركة المجتمع والدولة، وهو صاحب رأي وموضع مشورة ومبادرة، وهو مع الآخرين من المخضرمين السياسيين ظل مهموماً بفكرة أنموذج الحكم الراشد، فهل تحقق ذلك أم لا يزال هذا الأنموذج يبدو حتى الآن بعيد المنال؟ وهل أسست تجربة الإنقاذ في ذكراها الآن لهذا الأنموذج أم تقاطعت مع التجربة معطيات الواقع فأفقدتها بعضاً من ملامح الأنموذج؟ وهل قدمت التجربة التي نعيشها من عمر التحول الديمقراطي القيادي الأنموذج؟ إفادات في هذا الاتجاه وفي غيره كانت مجالاً للحديث وتقليب الدفاتر وإفراغ المخزون مع القيادي الإسلامي الأستاذ محمد أحمد الفضل، أحد مؤسسي المؤتمر الوطني ومخضرمي الحركة الإسلامية، الذي التقينا به في حوار ينشر على حلقتين، وبدأنا هذه الحلقة بالسؤال: { لقد ذكرت في الحلقة السابقة من الحوار بأن خلافات الإسلاميين وانشقاقهم لم تصل الى درجة حادة كما هو معروف في بعض التنظيمات العقائدية في إشارة الى أنه لم تحدث تصفيات وأن الروابط لازالت موجودة فهل هذا سيؤدي الى إصلاح ذات البين مستقبلاً بين أهل المؤتمر الوطني وأهل المؤتمر الشعبي؟ حقيقةً كما قلت فإن العلاقة بين المؤتمر الوطني والمؤتمر الشعبي في تقديري هي علاقة فيها كثير من الانضباط، وكلنا عايش وسمع وشاهد الخلافات التي تحدث عند كل العقائديين والتي عادةً ما تحدث فيها تصفيات وخصومات حادة جداً وتدابر وتقاطع، ولكن الآن ما يحير أهل السودان أن في كثير من المواقف سواء كان في الأفراح أو المآتم يلتقي الكل ويتعانقون بصورة أدهشت كل الشعب السوداني ومضى الناس في التفسير في هل هي مقاطعة حقيقية أم مسرحية، وأنا في تقديري تلك هي طبيعة الشعب السوداني وما تحلى به الفريقان من مسؤولية في عدم التصعيد وعدم الإتيان بما يمكن أن يكون عقبة في إصلاح ذات البين، هذا كان فيه حكمة كبيرة جداً من الفريقين. { الشيخ الترابي الآن هو في قمة المعارضة فماذا عن الموقف والمشهد الأخير؟ حقيقةً لا أحد يشك في مقدرة الترابي وفهمه وعلمه وفي مبادراته، ولكن عند الأحداث السياسية الناس لهم تفسيراتهم وأية دولة يهمها في المقام الأول أمنها واستقرارها، ولذلك ما يجري هو يحدث في ظروف معينة، وأنا شخصياً لا أخوض في مثل هذه الأشياء لأنني أعتقد أنه إذا لم تكن لديك معلومات فلا يمكن أن تتهم أو تبرئ شخصاً بدون بينة، ولذلك أعتقد أن ما حدث من الشيخ الترابي ربما توفرت للأجهزة معلومات معينة في ذلك قادت للموقف والمشهد والحدث الأخير. { في المؤتمر الوطني الموحَّد كنتم جميعاً أبناء وزملاء وأعوان الشيخ الترابي وكان هو المرجعية والعرّاب فالآن هل فقدتم هذه الشخصية الديناميكية؟ حقيقةً ما ورثناه من الحركة الإسلامية أنها أصلاً لا تعتمد على شخص من الأشخاص، فهي تعتمد على منهج وعلى فكر وإلا أصبحنا طائفة من الطوائف، ونحن حقيقةً أمورنا كلها مبنية على أهداف محددة ووسائل وأهداف ومنهج نحتكم اليه جميعنا ونظم مؤسسية، ولذلك مرجعيتنا دائماً هي رأي الشورى الذي نجتمع عليه، ولهذا أنا أعتقد أن نظامنا في الحركة الإسلامية ونظامنا الآن في المؤتمر الوطني هو يقوم على المؤسسية أي لا نتقيد بوجود فرد، وبالتالي إذا أصبحت كل قضايانا مرهونة بفرد من الأفراد مهما ارتفع شأنه ومهما كانت مقدراته ففي النهاية هو فرد في مجموعة، فلقد نأينا بعيداً من أن نكون طائفيين ذلك في ألاّ يسيِّر الأمور شخص واحد. { بالتراضي كسبتم السيد الصادق المهدي رئيس حزب الأمة وبالانتخابات فقدتموه، فهل هذه يمكن أن تكون دبلوماسية ولماذا هذا الموقف؟ نحن لم نسعَ لأن نفقد أحداً وهذه الانتخابات هي جزء من اتفاق السلام ذلك في أن تكون هناك انتخابات ويكون هناك تحوّل ديمقراطي. ونعرف أن التحوّل الديمقراطي وسيلته هي الانتخابات الحرة، وكل الذي حدث ما كان الناس بعيدين عنه، والبرلمان السابق كان بمشاركة كل الأحزاب بمعنى أن الجميع قد شارك في التداول حول قانون الانتخابات التي جرت بموجبه العملية الانتخابية، وبعد ذلك أصبحنا جميعنا أحزاباً من حيث الرؤيا وبالتالي قد نلتقي وقد نفترق مع الأخ الصادق المهدي ومع غيره من الأحزاب في بعض القضايا، ولكن نحن كنا أمام إنفاذ واحدة من مستحقات نيفاشا التي هي إجراء الانتخابات والتحوّل الديمقراطي، ولذلك تم وضع كل الآليات التي يمكنها أن تؤدي الى هذه النتيجة، وبالتالي فإذا تخلف بعض الناس لسبب من الأسباب فلسنا نحن الذين أجرينا الانتخابات بل هي المفوضية التي كانت معنية بذلك. { إذن كيف نقرأ مستقبل العلاقة بين المؤتمر الوطني سواء كأشخاص أو كجسم وبين الصادق المهدي؟ نحن لا نعادي أحداً وليس لنا عداء مع شخص، ونعتقد أن قوة السودان ومنعته هي باتحاد أبنائه، ونتقبل أي رأي يُطرح على بساط البحث، وبالتالي وفي ما يخص مصلحة السودان الكبرى فالناس إذا تراضوا على شيء اتفقوا حوله. { لقد سعيتم للاقتراب من الميرغني على حساب الصادق المهدي والترابي والآن تبتعدون من الميرغني هو الآخر، فهل هذه هي المعادلة التي تحكم التلاقي؟ ليس الأمر كذلك، ففي المؤتمر الوطني الناس يقتربون ويبتعدون من قيادة حزب حسب المعطيات بينهم وبين هذا الحزب وليس هنا كأشخاص بل كأحزاب، وبالتالي فإن أي حزب له طرح والناس أداروا معه نقاشاً وحواراً في قضايا أساسية تهم الوطن، فبقدر ما كان التلاقي كان القرب والعكس بقدرما كان التباعد كان البعد. { حسنا.. في قضية حركات دارفور والمفاوضات والسيناريوهات من المطالبة بالقبض على رئيس العدل والمساواة في تقديركم كيف سيكون مستقبل العملية السلمية؟ المؤتمر الوطني كان حريصاً جداً في الجلوس مع خليل إبراهيم ومجموعته وبدأ الحوار هنا لفترة طويلة من الزمن ووصل الجميع الى اتفاقية إطارية كل الناس يعرفونها التي كان أهم بند فيها هو وقف إطلاق النار ووقف العدائيات، ولكن الكل يعلم الخروقات التي حدثت وتم حصرها والتنبيه اليها، ورغم ذلك الناس كانوا حريصين على التفاوض والجلوس من أجل الاستقرار والسلام وظلت الحكومة دائماً وأبداً تمد هذه اليد البيضاء وظلت قيادة حركة العدل والمساواة تتعنّت. وأعتقد أنه مهما كانت الظروف والأحوال فأي خروج على سلطة موجودة في البلد لا أعتقد أن نجاح هذا الخروج سيكون مضموناً. { في قضية دارفور على ماذا تعتمدون وتعوّلون وأنتم مطمئنون هذا الاطمئنان؟ نحن نثق في أهل دارفور جميعاً ونعتمد عليهم في الحل النهائي. { يقولون إن الحركة الإسلامية هي موجودة في قبيلتين فقط في الزغاوة والبرنو وبالتالي كيف تملأون أياديكم من كل أهل دارفور؟ ليس هذا صحيحاً، فالحركة الإسلامية موجودة في كل القبائل هناك ولا ينكر أحد أن خليل إبراهيم هو ابن الحركة الإسلامية. { يقولون إن خليل إبراهيم قد تغيّر ويبتعد الآن (180) درجة من أهل الحركة الإسلامية، كيف تنظر لهذا الموقف؟ حقيقةً نحن نعتقد أن ما حدث منه هو بالتأكيد مجافٍ لنهج وتعاليم الحركة الإسلامية؛ لأن كل ما يجري ويصدر منه من أقوال وأفعال لا أعتقد أنه مسلك إسلامي مقبول من شخص. { إذا لم يتحقق السلام في دارفور من الآن وحتى نهاية العام ألا يرمي ذلك بظلاله على عملية الاستفتاء التي سيتحدد بموجبها مستقبل الجنوب؟ نعتقد أن الأمور تسير في طريقها نحو الوصول الى حل وسنحقق ذلك الحل لصالح أهل دارفور واستقرار السودان، ونحن كلنا تفاؤل في أن يُحسم هذا الأمر في أقل من هذه المدة الزمنية التي تفصلنا عن موعد الاستفتاء حول مصير الجنوب، والآن الأحداث تتسارع بغية الوصول لهذا الحل. ففي الزمان الماضي كان الناس ينظرون لحكومة الإنقاذ بأنها حكومة انقلاب عسكري وحكومة شمولية ولكن بعد الانتخابات فإن نظرة كثير من الدول تغيّرت هنا، فصارت هناك حكومة منتخبة جاءت برضا الشعب وهذه حقيقة كانت هي واحدة من الأسس التي كانت تقوم عليها حركة العدل والمساواة في نظرتها للحكومة السابقة، أما الآن فالحكومة هي منتخبة.