تفاصيل القصة تصلح لأن تكون فيلماً مثيراً يحكي أحداثاً واقعية وتفاصيل ما تقوم به شبكات وعصابات تعمل في تهريب البشر والإتجار بهم و... و... الى كل شيء. التفاصيل التي رواها أحمد ل«الأهرام اليوم» هي حلقة كانت مفقودة في ملف شغل الرأي العام والجهات المسؤولة وهو تهريب الشباب من الخرطوم الى لبنان وتركيا ثم أوربا عبر سوريا. أحمد ملأه الاستياء والغضب معاً لأن بعض أعضاء تلك الشبكات بالداخل خدعهم. أغرب من الخيال بدأت تفاصيل قصة أحمد وشقيقه قبل نحو شهر ونصف عندما نوى شقيقه السفر الى لبنان عبر سوريا والتسلل الى بيروت عبر الجبال ويقول أحمد ظلت فكرة الهجرة الى لبنان تسيطر على شقيقي منذ نحو عامين والدي كان دائماً ما يرفض ذلك لكن أخي أفلح أخيراً في إقناع الأُسرة بالموافقة على سفره الى هنالك. وواصل أحمد حديثه قائلاً: لم نكن نعلم المخاطر التي تنتظره هنالك فقد علمنا قبل أيام أنه تم القبض عليه في بيروت وهو الآن بالسجن لأنه لا يملك إقامة رسمية. تفاصيل قصة أحمد فعلاً تثير الدهشة وتؤكد وجود فخ ومصيدة تنصبها تلك الشبكات ليقع فيها هؤلاء الشباب. شقيق أحمد الذي أراد الهجرة الى لبنان هو من مواليد 1986م لم يكن وضع الأُسرة المادي بسيطاً فقد كان يعمل بالزراعة في الجزيرة ويستطيع أن يوفر من عمله حوالي ألفي جنيه كل شهرين بكل يُسر هذه المرة عندما نوى الهجرة وفر مبلغاً قدره ثلاثة آلاف وهو المبلغ الذي تطلبه شبكات التهريب من كل شاب. صمت أحمد برهة ثم استطرد في حديثه ونظراته تذهب بعيداً كأنه يجر شريطاً لأحداث خلفت وراءها واقعاً مأساويا،ً قال: اتصلت بشخص قيل إنه تعوّد أن يسهل تهريب الشباب الى لبنان عبر مطار دمشق اتصلنا به تلفونياً وكان مسبقاً يعلم بالموضوع رد قائلاً: عليكم الانتظار شمال الجامع الكبير بالسوق العربي. بالفعل انتظرته أنا وشقيقي الذي يريد السفر الى لبنان في المكان الذي حدده لنا عبر الهاتف قرابة الساعة لكنه لم يظهر اتصلت به مرة أخرى قلت له نحن في الموقع الذي حددته لنا. قال لنا عبر الهاتف: تحركوا غرب الجامع الكبير قبالة أبراج الواحة من الناحية الشرقية. وبالفعل تحركنا الى هنالك وانتظرنا حوالي ثلث الساعة لم يظهر ثم بعد لحظات اتصل بنا وقال لنا أين موقعكم الآن قلت له نحن جنوب غرب أبراج الواحة ثم لاحظنا عربة تقف بجوارنا ثم فجأة فتح الباب شخص وقال لنا أصعدوا الى السيارة، تحركت العربة وسارت بشارع النيل وعبر كوبري أم درمان وقال لنا إن وجهتنا الى مكتب الجوازات بأم درمان وكانت عقارب الساعة وقتها تشير الى الثانية عشرة والنصف ظهراً وفي الطريق تحدث وأخبرنا أن أسعار السفر تختلف حسب نوعه هنالك سفر سريع وآخر بطيء وأسعاره تتفاوت ونحن نطلب مابين الفين «مليونين» الى الفين ونصف «مليونين ونصف» للسفر البطيء وقد تضطر الى الانتظار شهوراً لكن إذا أردت السفر في ظرف أسبوع أو عشرة أيام عليك بدفع ثلاثة آلاف. وافق أخي على دفع ثلاثة آلاف ليتمكن من السفر خلال أسبوع لأنه يعلم إذا مكث هنا في الخرطوم طويلاً فإن المبلغ الذي بحوزته قد يضيع ويصرفه في السكن والإعاشة ثم قال نحن نطلب هذا المبلغ (3) آلاف جنيه (ثلاثة ملايين) لأننا نحتاج الى تسهيلات إضافية!! ونحن متجهين الى الجوازات طلب منا ونحن داخل العربة أن نسلمه المبلغ.. سلمناه ألفاً وسبعمائة.. وعندما وصلنا شارع الأربعين اتصل بشخص آخر وقال له انتظرنا في مدخل الشارع الذي يؤدي الى الجوازات.. مضت دقائق ثم توقفت العربة.. هنا قال لنا الشخص الذي يقود العربة أنا مهمتي انتهت.. ظهر شخص آخر، قال لنا اذهبوا مع هذا الشخص. تقدمنا خطوات.. ثم ظللنا نمشي مسافة ليست طويلة.. دخل بنا الشخص الجديد محلاً للاتصالات وداخل هذا المحل يوجد فاصل خشبي عليه باب صغير قد لا تلاحظه جيداً لأول مرة، دخل عبر ذلك الباب وكانت المفاجأة أن وجدنا خلفه مساحة صغيرة لا تتعدى مساحتها مترين بحساب ضرب الطول في العرض.. ويوجد كرسي واحد في المنتصف، جلس ثم أخرج ورقة من حقيبة كانت معه أعطانا إياها وقال هذه استمارة معلومات خاصة بالجواز، ملأناها بالمعلومات المطلوبة بالاستمارة وسلمناه صورة من البطاقة الشخصية.. طلب منا بطاقة شاهد لم تكن بحوزتنا، غاب لحظة وجلب معه بطاقة أحد أقاربه. بعد ذلك ظهر شخص آخر وقال لي انتظر أنت هنا ويذهب أخيك الذي يريد السفر مع هذا الشخص الى داخل الجوازات وهو سوف ينتظر لإكمال الإجراءات.. ثم قال لقد انتهى دوري. ذهب أخي والشخص الذي ظهر أخيراً الى داخل مكاتب الجوازات وانتظرنا نحن خارجاً، جلسنا الى إحدى ستات الشاي، بعد مرور ساعة ظهر أخي والشخص ومعهما ورقة كانت هي إيصال استلام الجواز. بعد انتهاء إجراءات الجواز، وقبل استلامه طلب منا الشخص الذي قابلناه أولاً إكمال بقية المبلغ وحدد لنا المكان الأول الذي التقينا فيه مسبقاً غرب الجامع الكبير، في اليوم الأول حدد لنا زمن الحضور ومعنا بقية المبلغ عند العاشرة صباحاً، حضرنا قبل ساعة أي حوالي التاسعة صباحاً ظللنا هنالك حتى الحادية عشرة، اتصلنا عليه قال إنه بعيد عن موقعنا ووعدنا بالحضور، قال لنا انصرفوا الى الغد، أصررنا على تسليم المبلغ قال عليكم انتظاري حتى الثانية عشرة وبعد 40 دقيقة سأكون معكم وحضر بالفعل وطلب منا التحرك قليلاً، والصعود الى العربة، وتم تسليم بقية المبلغ. ذهبنا حيث نقيم وكان إيصال استلام الجواز بحوزتنا بإعتبار أننا سوف نستلمه من الجوازات بعد ثلاثة أيام، ولكن أصبت بالدهشة عندما سلمونا الجواز قبل يوم رغم أن إيصال استلامه كان معنا!! ولكي يسلمنا الجواز اتصل بنا وأمرنا أن ننتظره تحت شجرة كبيرة شمال برج التضامن وطالبنا بعد ذلك بالذهاب الى منسقية الخدمة الوطنية لاستخراج بطاقة الإعفاء وبالفعل سلمنا البطاقة ووعدنا بالاتصال لتحديد يوم السفر. ويواصل أحمد حديثه ل«الأهرام اليوم» قائلاً: أخبرونا أنهم سوف يتصلون بنا لتحديد يوم السفر، وبعد خمسة أيام اتصلوا بنا وأخبرونا أن أخي سيسافر يوم الثلاثاء. وفي يوم الثلاثاء، كانت عقارب الساعة وقتها تشير الى الثانية ظهراً طلبوا من أخي عبر الهاتف أن يجهز نفسه ويلتقيهم في موقع حددوه في شارع أفريقيا لا يبعد كثيراً عن المطار وطلب إلينا أن نستأجر عربة أمجاد للذهاب الى الموقع المحدد، وعندما وصلنا وجدنا شخصين في انتظارنا يقود كل منهما عربة إحداها تويوتا بوكس قديمة كان برفقتهم سبعة شباب وكان أخي ثامنهم علمنا أنهم الثمانية متوجهون إلى سوريا!! قصة العشرة دولارات صمت الجميع برهة كانت اللحظات تمر ببطء طالبوهم باتباع بعض الخطوات وكان الحديث والأوامر تتم داخل السيارات، كنت أرقب الموقف واستمع فقط؛ إذ لم أكن أنا المقصود بتلك التعليمات، أخرجوا حزمة من الدولارات قدرتها على الفور بآلاف الدولارات وأعطوا الثمانية شباب مبالغ لإبرازها في مطار دمشق كان نصيب بعضهم ثلاثة آلاف دولار. وكان نصيب أخي (2.000) دولار أعطوا آخر (2.300) دولا. لاحظت بسرعة أن أي مبلغ كان يختلف عن الآخر، استدركت سريعاً أنهم ربما تصرفوا بهذه الطريقة حتى لا تثير تلك المبالغ الانتباه وينكشف أمرهم. وحدث أمر آخر شد تنتباهي، أخرج أحدهم (فكة) دولارات من فئة العشرة دولار وفئة دولار واحد، وزادت دهشتي عندما أعطى كل فرد عشرين دولاراً ثم دولاراً واحداً.. ثم طلبوا من كل شاب أن يضع عشرة دولارات في الجيب الأمامي للبنطال والعشرة الأخرى في الجيب الخلفي ومعها الواحد دولار وعندما سألناه عن الواحد دولار قال دي «فكوها» للمواصلات في مطار دمشق!! وطالبوهم بمراعاة بعض الأشياء داخل مطار الخرطوم.. كيف يتحركوا وطالبوهم بابتعاد أي شخص منهم عن الآخر. وقالوا لهم «حال عدم إلمامكم بالإجراءات التي يفترض اتباعها داخل المطار باروا الناس الماشين سوريا وأعملوا زيهم»، ثم طالبوهم بتحمل رسوم المغادرة وهي (35) جنيهاً سودانياً.. ثم لدهشتي ومازلت أرقب حديث أفراد الشبكة وهو يطالبهم بلقب لكل من الشباب الثمانية وبينهم بالطبع أخي!! لغز اللقب وطالب الشخص المسؤول الثمانية شباب بالتجمع خارج مطار دمشق مع بعضهم لانتظار بص المطار الذي سيقلهم إلى داخل مدينة دمشق وقال لهم عند آخر محطة انتظروا معاً ولا تتفرقوا وسوف يظهر ليكم شخص ويناديكم بألقابكم وإذا نادى شخصاً بلقبه قولوا ليهو «إنت منو؟» لو قال ليكم أنا سالم. أعرفوا إنو دا زولكم وإذا قال ليكم أي شيء آخر أعرفوا إنو هذا الشخص ما زولكم ما تمشوا معاه. أقلعت الطائرة وطار معها أخي والحديث لأحمد وغاب وامتد غيابه الى أيام وأسابيع ولم نعد نسمع عنه شيئاً. وفي أحد الأيام قرأت تحقيقاً نشرته «الأهرام اليوم» فهالني واقع الذين يهرّبون إلى هناك انتابني إحساس عالٍ بالقلق على مصير أخي. ٭ نهاية قصة وواصل أحمد: حاولت الاتصال بمناديب هذه الشبكة في سوريا وهم سودانيون ولكنهم كانوا يزوغون من الإجابة عن أحوال أخي. اتصلت ببعض الشباب الذين نعرفهم في لبنان فأخبرونا أن أخي قُبض عليه والآن هو داخل السجن. وعندما سألنا مندوب الذين سفّروا أخي من سوريا اعتذر لنا عن قبضه بحجة أن أخي ذهب مع مهرب جديد غير الذي كانوا يقصدونه وأن المسألة كلها فشلت بسبب خطأ!! هل تنتهي قصة شقيق أحمد هنا!! ذهبت أمواله التي وفرها بعرق جبينه ثلاثة آلاف جنيه (ثلاثة ملايين) وكان مصيره السجن. أحمد أكد ل(الأهرام اليوم) أنه رجعوا إلى الشخص الذي سفّر شقيقه وطالبوه بقيمة تذكرة الإياب بعدما استرجعوا قيمتها في سوريا، لكنهم رفضوا وقالوا لهم نحن لا نقوم بإرجاع قيمة التذكرة وأن هذا الموضوع قد انتهى بالنسبة لهم!!