دوره البارز في المؤتمر الوطني يجعله دوماً قبلة للصحفيين، كونه من الممسكين بمفاصل العمل في الحزب الحاكم، خصوصاً وقد ارتبط حراكه بكل ما هو سياسي جامعاً بين خبرات العمل في أمانة العاملين وأمانة التعبئة والأمانة السياسية، بجانب قيادته لاتحاد عمال السودان. جلسنا إليه في حوار مطول فلم يضن علينا بالردود، استنطقناه حول كل ما يكتنف الراهن السياسي، صحيفة الانتباهة وملف الحريات الصحفية، الوحدة ومعالجات الساعة الخامسة والعشرين، حلايب والمساجلات الأخيرة في ملف العلاقات السودانية المصرية، اللدوحة والمعالجات قيد التسوية بخصوص الأزمة في دارفور، العلاقات الخارجية، القضايا المعاشية، الناقل الوطني وما يتصل بالإعلان الأخير عن بيع عارف حصتها فيه، كل هذا وغيره تجدونه في ثنايا هذا الحوار، أدناه الحلقة الأولى من إفادات البروفيسور إبراهيم غندور، أمين الأمانة السياسية بالمؤتمر الوطني، ورئيس الاتحاد العام لنقابات عمال السودان في حلقته الأولى ٭ بروف غندور، سأبدأ من حيث يقف الراهن السياسي، إغلاقكم لصحيفة «الانتباهة» عدّه البعض نكوصاً عن الحريات الصحفية؟ قضية الحريات الصحفية لا تراجع عنها، ونحن مقبلون على استفتاء كان لابد أن يكون هناك تمايز وطني وأن تتاح الفرصة للأصوات المنادية بوحدة السودان، ولذلك جاء قرار إيقاف (الانتباهة) دون رجعة عن قضية الحريات الصحفية التي هي مرتبطة بمراعاة حقوق الوطن والأفراد. وأعتقد أن الإيقاف جاء في هذا الاتجاه وأصوات عديدة ظلت تنادي ولفترات طويلة بإيقافها ولكن الحكومة لم تستجب، ونحن في هذا المرحلة الدقيقة كان لابد من اتخاذ هذا القرار الجراحي. ٭ بعد صدور أكثر من (1655) عدد من الصحيفة؟ نعم، نعم، أن تأتي متاخراً خيرٌ من ألاّ تأتي، وزخم العمل الآن في كل مستوياته من أجل الوحدة. ٭ ألا يمكن النظر في معاودة صدور الصحيفة من جديد؟ إذا تغيّر منهجها الانفصالي كما يراها البعض فالنظر في إعادتها يكفله الدستور والقانون. ٭ الرقابة القبلية على الصحف عادت مرة أخرى قبل مضى (100) يوم على انتخاب المشير عمر البشير رئيساً للجمهورية؟ المؤتمر الوطني كحزب ليس مع الرقابة القبلية، وأكدنا ذلك قبل رفعها في المرة الأولى ونؤكد ذلك للمرة الثانية، ونتمنى أن تكون هناك رقابة ذاتية كما نادى اتحاد الصحفيين وعدد من رؤساء التحرير، ونعلم أن في كل شيء أحياناً هناك تجاوزات، ونحن نتمنى ألاّ تكون الرقابة القبلية خصماً على الحريات. ٭ أنتم تبررون عودة الرقابة القبلية؟ نحن لا نبرر عودتها ولكن السودان يمر بظروف دقيقة ربما كانت وراء ذلك، ولكن موقفنا الثابت أن الحرية الصحفية يجب أن تكون متاحة ومحمية بالقانون وأمن الوطن أيضاً يجب أن يُحمي بالقانون والدستور. ٭ البعض يرى أن إغلاق (الانتباهة) وعودة الرقابة له علاقة باتفاق بينكم والحركة الشعبية لحسم الاستفتاء لصالح الوحدة؟ لا أستطيع أن أقول ذلك لكنها مسؤولية وطنية ومسؤولية دستورية للحكومة وللأجهزة المعنية للمحافظة على أمن الوطن وهذا هو الأمر الذي يتطلب مثل هذه الإجراءات التي أتمنى ألاّ تكون خصماً على قضية الحريات عموماً. ٭ مشاوراتكم مع الحركة الشعبية هل ستفضي إلى وحدة السودان؟ الوحدة إرادة سياسية في المقام الأول، وإذا توفرت الإرادة السياسية قضية الوحدة يمكن أن تُحسم بين يوم وليلة ومعلوم أن التوجيهات السياسية هي التي ستحسم أمر الاستفتاء وأن تلك التوجيهات في الجنوب تقودها الحركة الشعبية. ٭ عفواً.. الأصوات الانفصالية الآن بدأت تعلو داخل الحركة الشعبية مما يهدد الوحدة؟ نعم، في الفترة الماضية كان صوت التيار الانفصالي الأعلى على الأقل في الأجهزة الإعلامية، ولكننا نؤمن أن قضية الوحدة أو الانفصال ليس فيها قرار مؤسس داخل الحركة الشعبية، ولكن نفياشا تعلي خيار الوحدة والعمل من أجلها، والاتفاق السياسي الأخير حول تشكيل حكومة ما بعد الانتخابات أعلى هذا الخيار وحتى داخل البرلمان والتباحث بين الشريكين والحوار الذي يدور سياسي غرضه الاقتناع بأن وحدة السودان الخيار الأفضل، ومتى ما اقتنعت النخبة السياسية خاصة في الحركة والفاعلين في العمل السياسي الجنوبي بقضية الوحدة سيختار المواطن الجنوبي الوحدة. ٭ قيادات في الحركة الشعبية أكدت أكثر من مرة أن الغالبية الجنوبية تنحاز للانفصال؟ نحن في المؤتمر الوطني نؤمن بأن غالب الجنوبيين خيارهم أن يظل السودان واحداً موحداً، ولكن في الغالب أن الإرادة السياسية تحمل وراءها كل إرادة المواطن. ٭ ماهي ضمانات التزام الحركة الشعبية بما يتم الاتفاق عليه حول الاستفتاء في وقت مازالت فيه نتائج التصويت لرئيس الجمهورية في الجنوب ماثلة للعيان؟ لم يكن بيننا والحركة اتفاق في مسألة خوض العملية الانتخابية وترشيح أو سحب ياسر عرمان من السباق الرئاسي، وكل قرارات الحركة كانت تخصها وحدها ولاعلاقة لنا بما اتخذته، ولكن اتفاقنا معها كان حول قيام العملية الانتخابية في الموعد المحدد لها. ٭ عفواً.. هل تثقون في التزام الحركة بما يتم الاتفاق عليه حول الاستفتاء؟ نعم.. قطعاً. ٭ مامدى تأثير تعدد المنابر داخل الحركة على قضية الوحدة؟ أولاً.. أريد أن أقول إن استراتيجية الوطني في التعامل مع (الحركة) ظل طابعها البعد بالعلاقات معها عن منابر الإعلام المفتوحة، وظللنا نتعامل مع الأصوات (الناشزة) في الحركة باعتبارها أصواتاً شخصية وإن كانت تخرج من أشخاص في مناصب مؤسسية كبيرة، ونركز على ما نتفق عليه في داخل الاجتماعات الثنائية، وأعتقد أن هذا وفر المناخ الملائم لاستمرار العلاقة بين الشريكين مما مكن من تنفيذ اتفاقية السلام الشامل وفق ما نصّت عليه، ولو استجبنا لبعض الأصوات التي تتحدث في الإعلام في محاولة للإساءة للعلاقة بين الشريكين لما تم تنفيذ كل ما تم بشهادة المجتمع الدولي. ٭ بروف.. دعني انتقل بك شرقاً، قضية حلايب وما أُثير مؤخراً؟ حلايب سودانية والوثائق التي نطلع عليها تؤكد ذلك ونحن وُلدنا ونشأنا على ذلك. بدأت القضية في عهد ثورة يوليو، وكان أول خلاف بين الرئيس عبد الله خليل وجمال عبد الناصر وحينها تدخلت حكمة القيادة وسحبت القوات المصرية من المنطقة. ومعلوم أن القضية أُثيرت أخيراً، وما نؤكده أن أية جهة تحاول استخدامها لتعكير صفو العلاقة بين البلدين لن تنجح لقناعة متوفرة لدى القيادات بأن العلاقة بين الشعبين هي الترياق لما يتعرض له السودان ومصر... (مقاطعاً): ولكن حلايب الآن تحتلها القوات المصرية، فكيف تكون سودانية؟ نحن نؤكد أنها سودانية، وإذا أردنا أن نضرب مثالاً بذلك فلن تكون الجولان إسرائيلية أبداً رغم وجود الاحتلال الاسرائيلي فيها. ٭ عفواً، ما الحل في ظل تمسُّك الطرفين بتبعية حلايب له؟ ما نطلبه إما حوار جاد بين الأشقاء مدعوم بالوثائق وإما اللجوء للتحكيم الدولي، وهناك مفهوم أريد أن أوضحه وهو أن اللجوء للمحكمة الدولية يتطلب موافقة الطرفين؛ إذ أنه تحكيم وليس محكمة، وبالتالي إذا لم يوافق الجانب المصري على مبدأ التحكيم فلا يمكن اللجوء للمحكمة الدولية. ٭ باعتقادك هل سيقود الحوار مع مصر إلى حل سلس؟ من المفترض أن يكون ذلك. ٭ عفواً.. وإذا لم يُفضِ الحوار إلى حل؟ ستظل القضية عالقة وستظل حلايب سودانية. ٭ (مقاطعاً): أليست هناك آلية بخلاف الحوار؟ قطعاً. ٭ من الشرق.. اسمح لي، بروف غندور، أن نذهب إلى دارفور، هناك اتهام بتعمد غياب مبعوثي دول بريطانيا، أمريكا وفرنسا عن لقاء المبعوثين الذي عُقد بالفاشر مؤخراً. القمة لم تكن بدعوة من الحكومة وإنما كانت بالتوافق بين المبعوث والحكومة، وأي غياب يُسأل عنه الذين تغيبوا، ولكن غياب المبعوث بشخصه وحضور من ينوب عنه خاصة إذا كان مسؤول التمثيل على وزن سفير فهذا يعني أن الدولة كانت موجودة. والقضية ليست قضية غياب والمنبر كان القصد منه التنسيق والاستماع الى وجهة نظر الحكومة لحل مشكلة دارفور واستراتجيتها للمرحلة المقبلة. والغياب لم يكن ليؤثر على أهمية اللقاء من حيث أنه يأتي في وقت تشهد فيه المباحثات في الدوحة أيامها الأخيرة. ٭ على ذكر الدوحة.. هل تعتقد أن الاتفاق مع حركة التحرير والعدالة سيضع حداً للأزمة في ظل غياب خليل وعبد الواحد؟ في الحقيقة لا استطيع أن أقول إنه نهاية المطاف لإكمال قضية السلام ولكنه خطوة مهمة في تعزيز السلام بتوقيع اتفاقية أبوجا، ولكن ما أكرره وجاء على لسان رئيس الجمهورية البشير فإن الدوحة ستكون آخر منبر خارجي للحوار لحل دارفور وبعدها ستكون القضية دارفورية وسودانية من أراد الخروج على ذلك ويواصل في الاحتراب فإنه عاق لوطنه ولا تهمه قضية أهله من النازحين والمشردين الذين يعانون وسيحكم عليهم التاريخ بذلك. ٭ ماذا أنتم فاعلون لهؤلاء؟ الحكومة فعلت مافي وسعها من التفاوض المتطاول والقبول بكل المبادرات الدولية والإقليمية ونعتقد أن حكومة السودان تعد الوحيدة التي استجابت في سبيل سعيها للسلام في دارفور لأية محاولة دولية أو إقليمية وكثير من الدول حولنا رفضت أية مبادرات لحل مشاكلها الداخلية، ولكن هذا الصبر والاحتمال والحلم لا يمكن أن يتطاول لكل من أراد أن يبقى في فنادق أوربا والفنادق العربية والأفريقية بينما أهله يعانون والشعب السوداني يدفع الثمن ويريد هؤلاء استمرار الأزمة. ٭ خليل إبراهيم مازال بعيداً ويطرح مطالبه؟ ياخي.. خليل يعتقد أنه يمتلك مفاتيح دارفور ويمثل أهلها والكل يعلم أن ذلك غير صحيح ولو تحدثنا عن الحركات لا يمكن أن ننسى أن غالب أهل دارفور أو أكثر من (90%) منهم لا ينتمون ولا يقفون مع تلك الحركات والانتخابات التي جرت مؤخراً أثبتت ذلك، وبالتالي لا تستطيع أن تفرض حركة واحدة رؤيتها لمجرد أنها حملت السلاح، لأن هذا يعني إعادة إنتاج الأزمة. ٭ هل ستلجأ الحكومة للخيار العسكري في حسم المسألة؟ الحكومة ليس أمامها أمام تعنُّت بعض الحركات سوى أن تعمل على حفظ الأمن والسلام في دارفور. ٭ عفواً بأي أسلوب أو طريقة؟ بالتأكيد الحل العسكري ليس حلاً مطروحاً في ذاته لكنه واجب وطني وتنفيذي ومسؤولية الدولة في المحافظة على أمن الوطن، وحينها سيكون من حق الدولة أن توقف أية محاولات للإضرار بأمن الوطن والمواطن. ٭ العدل والمساواة اتهمت «الوطني» باستدراجها والجنوح للمحادثة إلى حين الفراغ من العملية الانتخابية؟ الحكومة والقوات المسلحة التزمت بكل ما هو موقع في الدوحة ولكن بعض إغلاق تشاد في وجه حركة العدل حاول خليل البحث عن مواقع جديدة ومحمية خاصة بمناطق جبل مرة وغيرها للانطلاقة منها إلى دارفور مما جعل القوات المسلحة أمام خيار واحد وهو التعامل معها ومنعها من الحصول على مواقع جديدة لإحداث اختراق أمني، القضية الثانية أن حركة خليل وهي تفاوض في الدوحة حاولت التمدد في وجودها العسكري من أجل الحصول على مكاسب جديدة في مفاوضات الدوحة. ٭ هل يعني ذلك أن حركة العدل نكصت على خطوات الاتفاق بالدوحة؟ نعم، قطعاً. ٭ خليل مازال في طرابلس رغم مهاتفة رئيس الجمهورية للقذافي وزيارة مدير جهاز الأمن والمخابرات الوطني لطرابلس؟ نحن نتمنى أن تستجيب الجماهيرية الليبية لطلب الرئيس البشير بتحجيم حركة العدل.