حواء شرانية .. هذا أمر مفروغ منه، لكنها لا تكون كذلك، إلا عندما تحس بالجرح العميق .. الذي لا يبرأ سوى بمواجهة الأذى بأذى أشد ! والعرب، بالمناسبة، يحتفون، في بعض أدبياتهم الجاهلية، بالأشرار، ويعتبرونهم، أبطالا، وليس بعيدا عن الأذهان قول شاعرهم : (تعوي الذئاب على من لا كلاب له ... وتتقي صولة المستأسد الضاري)، وقول آخر : (قومٌ إذا الشر أبدى ناجذيه لهم ... طاروا إليه زرافات ووحدانا) ! يا ساتر .. يا لطيف ! لكن الاحتفاء العربي بالشر .. كان في معظم الأحيان وسيلة ردع للباغين، والمتجاوزين، وكل من تحدثه نفسه بالجور والعدوان، ولذلك فإن تلك النزعة، هي في مكنونها العميق، احتفائية بالأمن والسلام والطمأنينة، ورفض ضمني للبغي والعدوان. وشر حواء، كما نعلم، يأتي من عقلها، حيث تملك من المكر والدهاء ما يجعلها تهدم الدنيا وسقوفها، على رأس من يجرح فؤادها، دون استعمال للعضلات، وبلا سلاح دمار شامل .. من تلك التي تحظرها قوانين الحروب ! لكن أخبار الأمس، حملت تحذيرا مرعبا لمعشر الرجال، وخصوصا ذوي الأشناب و(الضرعات)، ممن يحتفون بقوتهم أمام حواء، حيث قالت الوكالات إن فنانة باكستانية شهيرة، اسمها (نور)، قامت بضرب بعلها الهندي بقسوة، في أحد شوارع دبي بدولة الإمارات العربية، قبل أن تهرب لاحقا من بين يديه !! شر حواء، لم يكن في الحالة السابقة بالعقل والدهاء، بل كان بالعدوان الجسماني الصريح، بونية وشلاليت، إضافة طبعا للمعط والخربشة ! طبعا (نور) كان لها أسبابها لضرب (مهند) .. أقصد بعلها الهندي، لكن الحق يقال إن العقاب لا يؤخذ باليد، وإنما هناك جهات في الدولة هي التي تعاقب، وهذا المنطق القوي، لا بد أن يتمسك به كل الذكور الآن، فقد ساهموا في محوه من الوجود أيام سطوتهم، وبأسهم، وقوتهم التي ترهب حواء، وتحيلها لكائن مستأنس مهيض الجناح ! الصورة انقلبت، والحلبة فيها الآن بطلان .. لا بطل واحد، وإن كانت المسألة مسألة لكمات ومعط وخربشة، فقد اقتحمت حواء الميدان الآن، وهي لا تمانع في النزال، ومواجهة الشر بأشر منه، دون هيبة، أو استكانة .. مثلما كان يحدث أيام العز .. لأبناء آدم الذكور ! نصيحتي للرجال .. إخفاء خبر (نور) عن زوجاتهم، والسعي قدر الإمكان لعدم تمكينهن من قراءة هذا العمود، كي لا يشعرن بالرعب المتسلل لدواخلنا، حتى لو كنا قد نفشنا ريشنا، وانتفخنا سنين عددا، مصدقين أن الساحة ليس فيها غيرنا، وأن حواء لقمة سائغة .. ننفس فيها عن إحباطاتنا، ونبحث في ضعفها عما يخفف هزائمنا !