{ كان حضور الرئيس البشير للنسخة الأخيرة من «قمة الساحل والصحراء» التي جرت فعالياتها بدولة تشاد، كان بمثابة «الضربة القاضية» للسيد لويس أوكامبو ومحكمته الجنائية، وذلك لكون الشقيقة تشاد واحدة من الدول الموقّعة على «ميثاق روما» الذي بموجبه نهضت هذه المحكمة الجنائية. فالزيارات العديدة السابقة التي قام بها الرئيس البشير إلى عدة دول مجاورة وغير مجاورة قد «خلخلت» هذه المحكمة وأزعجتها، وذلك برغم أن تلك الدول لا تخضع لهذه المحكمة ولم توقِّع على نظامها الأساسي. { ومن جهة أخرى، لم يفلح سيناريو «توقيف البشير» من شل حركته وإرباك حكومته، إذ أن الهدف الأساسي من تلك الاتهامات هو محاصرة «حكومة الخرطوم» بالمحكمة الجنائية، هذه المحكمة التي صُنعت خصيصاً لمعاقبة «دول العالم الثالث» التي لا تخضع تماماً «للنظام العالمي الجديد»، «فحكومة الخرطوم» التي فشلت كل السيناريوهات السابقة في محاصرتها، بل وفي ظل ملاحقة المحكمة الجنائية للبشير عبر «الفضائيات»، في هذه الفترة قد تمكّن المشير البشير من «شرعنة» وجوده في الحكم جماهيرياً، بل وكان لجماهير إقليم دارفور «المُباد جماعياً وعنصرياً»، بحسب إدعاءات السيد أوكامبو، كان له القَدَح المُعلّى واليد الطّولَى في إعادة انتخاب البشير جماهيرياً! { فلئن كادت أن تفقد «المحكمة الجنائية» صوابها من تحركات الرئيس البشير بين الدول غير الأعضاء، ففي المقابل فإن زيارة البشير إلى دولة موقِّعة على نظام هذه المحكمة، كان ذلك بمثابة «الصدمة» لمدعيها العام، الذي صدح للإعلام «بأنه لا يملك شرطة للقبض على البشير»، وأنه قد فعل ما بوسعه في إصدار الاتهام تلو الاتهام! { ويذكر أن زيارة السيد البشير إلى دولة تشاد، الدولة التي تمتلك عضوية المحكمة الجنائية، جاءت مباشرة بعد آخر نسخة من الاتهامات، تهمة «التصفية الجماعية» التي ذهب بعدها السيد أوكامبو ليرتاح من رهق «مطاردة البشير»، على أن تهمته الأخيرة «هي القاضية»، وإذا بالرئيس البشير يفاجئه «بالضربة القاضية»، على أن الدول الموقِّعة تتخلى عن مسؤولياتها والتزاماتها تجاه هذه المحكمة بعد أن ظهرت على حقيقتها، وأتوقع، والحالة هذه، ألا تقوم لهذه المحكمة قائمة بعد ذلك، وسيكتب التاريخ بمداد من نار أن هذه «المحكمة الاستعمارية» قد تحطّمت تحت أقدام وإصرار أحد أبرز الثوار الأفارقة في مطلع هذا القرن! { فكل ذلك مرصود ومعروف، غير أن حالة من الارتباك قد اجتاحت «الامبراطورية الأمريكية» هي الأخرى، فواشنطن في يوم واحد قد أصدرت تصريحين متناقضين تماماً، فلما فوجئت واشنطن بأن البشير يهبط في دولة تشاد ومن ثمّ يذهب في أداء مهامة بين الرؤساء في قمة الساحل والصحراء، لم تملك ساعتها إلا أن تدفع بالناطق باسم وزارة خارجيتها لمواجهة الإعلام، وذلك ليقول «على دولة تشاد أن تحترم عضويتها في المحكمة الجنائية»، ثم لما رأت واشنطن أن هذا التصريح يحرجها، وهي الدولة التي لم توقّع على نظام روما وترفض عضوية هذه المحكمة، حاولت أن تعالج هذا الأمر بتصريح آخر يقول «واشنطن تدعم تحسن العلاقات بين الخرطوم وانجمينا»!، وهي واشنطن ذاتها التي منذ قليل كانت تحرّض انجمينا على الخرطوم، إن تسلّم الأولى رأس الثانية إلى السيد أوكامبو! { سيدي، القائم بأعمال (الامبراطورية الأمريكية) بالخرطوم، صحيح أننا دولة لا تملك «قوانين القوة وآليات الغاب» والأسلحة العابرة للقارات والمحيطات، لكننا في المقابل نملك أن نُشهر «قوة القانون»، أيضاً نملك الإرادة والإيمان بقدرة الله سبحانه وتعالى، على أن الأمور في هذا الكون لا تصرِّفها واشنطن، وإنما يصرِّفها الواحد القهار قاصم الجبابرة والمستكبرين. { وأرجو أن تتيح لكم إقامتكم بالخرطوم فرص أن تتعرّفوا عن قُرب على هذا الشعب، حتى تتمكنوا من رفع تقريركم إلى البيت الأبيض (بأن هذه الأمة السودانية لا تروّض بهذه الاستفزازات، بل أنها تلتف حول رئيسها أكثر)، والسلام على من اتبع الهدى.