العقول الذكية، والقرائح المتقدة، والأفكار النيرة، هي عصارة الشعوب، وخلاصة الأمم، وصفوة الانسانية، وهي دعائم النهضة الحضارية وركائز التنمية الاقتصادية والصناعية ومقومات التقدم والتطور والرفاهية. هذه الدول التي نسميها متقدمة وناهضة ومتفوقة علمياً وتكنولوجياً ونحسب لها كل حساب، لم تتقدم وتتطور وتنهض إلا باستثمار العقول الذكية، والاهتمام بالنفوس الأبية، والاستفادة من القرائح النيرة على خير وجه. رعتها، واهتمت بها، وحافظت عليها كالجواهر الثمينة، والدرر الغالية، وأن بعض هذه الدول من فرط اهتمامها، وشدة الإمعان في رعايتها، أنشأت مؤسسات خاصة تستخدم آليات فاعلة، لانتخاب واختيار واستيعاب هذه العقول منذ المراحل الدراسية الأولى حتى تصل الى المراحل العليا، ثم تهيئ لها البيئة الصالحة، والمناخ الملائم في دور المختبرات العلمية، ومراكز الأبحاث التقنية والتطبيقية فتتفرغ للدرس والملاحظة والاستقصاء والاختيار والتجربة فتفكر بروية وتعلل وتستقصي وتنقب على مهل ثم تنظر وتجرب وتختبر ثم تكتشف وتخترع بتطوير البحث العلمي، والاستفادة من البحوث العلمية والتجريبية التي أعدتها العقول في دول الغرب ودول أوروبا. إذن اتضحت الرؤية وانجلى الأمر وأحطنا بسر تفوق هؤلاء وامتياز أولئك فمن الممكن حل هذه المعضلة.. أعني معضلة التخلف الحضاري، ومشكلة الانحطاط العلمي والمنهجي، وعقدة الضعيف المنهزم. ولكن رغم وضوح الرؤية، وانجلاء الأمر، والإحاطة بسر تفوق الخواجة فلا نستطيع أن ننهج نهجهم ونحذو حذوهم في هذا المجال المهم، إلا إذا أعدنا النظر، وأمعنا التفكير في مشكلاتنا السياسية وأخضعناها للعدل الرباني والقسط الديني والإنصاف الاسلامي الذي يزيل الفوارق الطبقية ويعالج التباين العرقي الناشئ من العصبيات القبلية والاثنية حتى يجد كل ذي حق حقه وتتاح الفرص لهذه العقول الذكية، والنفوس الأبية والأيادي المخلصة للإبداع والاتقان والكشف والاختراع. ولا أغالي إذا قلت إن استثمار العقول الذكية والاستفادة من تجارب وخبرات العلماء والباحثين واجب وطني، وضرورة دينية واسلامية، فإذا أراد القائمون على أمر الدولة والقائمون على أمر التعليم العام والتعليم العالي والبحث العلمي والمهتمين بقضايا العلم والمعرفة، إذا أرادوا تقدم هذه الأمة ونهضة هذا الشعب، ورفاهيته، أن يهتموا بالعقول وأن يولوا العناية والرعاية للعلماء والباحثين، وأن لا تقتصر هذه العناية والرعاية والاهتمام بتحفيز المتفوقين والمبرزين من الطلاب فحسب بل يجب أن ترتقي وتتطور الى أساليب ومناهج اسمى، وهي أن تبتكر الدولة آلية فاعلة أو مؤسسة علمية ناهضة تستوعب وتستقطب المتفوقين وتجمعهم في مراكز أبحاث علمية ودور المختبرات التجريبية على مختلف ألوانهم السياسية، وتباين انتماءاتهم العرقية واضعين الدين ومصلحة الوطن ورفاهية الشعب وإزدهار العلم نصب الأعين.