ماذا يفعل الأستاذ حاتم السر سكينجو الآن في العاصمة البريطانية لندن؟ وكيف يفكر الناطق الرسمي للاتحادي الديمقراطي الأصل الذي تتراءى أمامه ما تنضح به الفضائيات عن المشهد الميلودرامي في بلده السودان، فضلاً عن أحوال حزبه المتلاطمة؟! لقد تعود حاتم السر الذهاب إلى لندن كل بضعة شهور للترويح عن النفس من وعثاء العمل السياسي بتضاريسه المتشابكة والتنفيس من غليان المشاهد التي لا تروق له في الاتحادي الأصل. تشكل شخصية حاتم السر نموذجاً استثنائياً تستوعب خصائص الثائر المفرط في التشدد ومزايا الراهب الملتزم في محراب التعبد، وقد حاول حاتم بين الفينة والأخرى إمكانية مسايرة الحالتين المتناقضتين، لكن كانت تتبلور في دواخله متحركات خط المنازلة الصارخة والثورية الصادقة المتأصلة في نفسه بشكل لا يقبل القسمة، لقد ظل حاتم يؤمن بالانفتاح وترتكز علاقته بالسيد محمد عثمان الميرغني في السياق الوجداني الذي لا يقبل الاهتزاز، ويلتزم على الدوام بالخط الذي يقرره حزبه غير أنه يبتلع في صعوبة أسلوب المهادنة والتوازن المفقود والعقلية المهترئة التي كانت تدير الحوار مع المؤتمر الوطني إلى حدود الإشفاق!! عطفاً على مواقف حاتم السر من المؤتمر الوطني فقد كان خصماً لدوداً لحزب الأغلبية الحاكم، يعرف كيف يهز المشاعر ويستلب العقول بالإيقاعات المفوهة والعبارات الجاذبة والمضامين المنطقية. ترشح حاتم في انتخابات رئاسة الجمهورية الأخيرة عن الاتحادي الأصل وقد نظم احتفالات مهولة وكرنفالات متعددة وكان يحلم بدخول القصر الجمهوري رئيساً للسودان محمولاً على أكتاف قواعد حزب الحركة الوطنية عبر صناديق الاقتراع، ولما خسر المعركة لم يقبل النتيجة وقال إن الملايين ستخرج إلى الشوارع لمعرفة من سرق أصواتهم!! وكان حاتم أيضاً يحارب على جبهة داخلية في الاتحادي الأصل فقد تجسدت مواقف كثيرة عكست معاركه الصاخبة وهو يواجه طاقم السماسرة وجماعة المشاركة في حزبه من باب الزاوية الانتهازية!! وفي السياق، هل يبقى حاتم السر في لندن حيناً من الدهر بلا جدوى؟ وكيف يتعامل مع حالة الجمود والتوهان في حزبه وهو الذي يحمل مكونات العنفوان والانطلاق والمصادمة في ظل وجود مجموعة تقف معه. أما أن يكون حاتم السر باروداً في المخزن أو باروداً في انتظار الانفجار، ففي الحالة الأولى يصبح مادة معطلة على بلاط الحفظ أما في الحالة الثانية فهو يرسل ألسنة من لهيب تخترق حالة الإحباط والضياع. لقد أثبت حاتم بالشواهد الدالة أنه أكثر ميلاً إلى عالم المنازلة والعنفوان ومصادمة منهج المؤتمر الوطني والمشاركة في الإصلاحات الداخلية فضلاً عن كسر قيود المناخ الذي يلعب على أوتاره ببراعة ومن هنا فإن الترجيح هو أن يقوم حاتم بدور البارود الذي ينفجر في وجه الأوضاع المتردية. فالاتحادي الأصل إناء تاريخي معرض للكسر في أي لحظة فقد يتهشم بفعل دورة الزمن وضياع البوصلة إذا لم يتم تدارك الأمر. لقد سطع نجم حاتم السر عندما ذهب إلى القاهرة ضمن كوكبة من المعارضين لنظام الإنقاذ عام 1990م حيث مارس دوره النضالي من هناك حتى تولى منصب الناطق الرسمي باسم التجمع المعارض علاوة على ذلك فقد صعد إلى أعلى الدرج في الاتحادي الأصل دون أبناء جيله. وحاتم السر يحمل في أعماقه نسخة كربونية من الأستاذ علي محمود حسنين من ناحية الكفاءة السياسية واللسان الذرب وقد يكون عنصر الفرق بين الاثنين في مقدار التجربة واختلاف الأجواء. وقد ظل حاتم حائزاً على ثقة مولانا محمد عثمان الميرغني إلى مستوى بعيد وقد وقف إلى جانب مولانا في كل الأحوال والظروف كعود غاب لا تثنيه الرياح وكان حاتم يكثف العمل في أروقة التجمع المعارض من منطلق الوصول إلى التحول الديمقراطي وكسر شوكة الشمولية حتى عصفت الأجندة الدولية بتلك الأماني رأساً على عقب. ومن الأشياء الثابتة يتولى حاتم السر أمانة الإعلام في الاتحادي الأصل حيث تنقصه اللوازم البشرية واللوجستية والميكانيكية والبرامجية الكافية في حين لا توجد أمامه المعلومات والسياسات المطلوبة التي ربما تكون قد اندلقت في البحيرات المتقطعة داخل الحزب!! فقد كان مطلوباً منه أن يزحزح جبال الهملايا بخيوط العنكبوت! لقد أثار بقاء حاتم السر في عاصمة الضباب العديد من علامات الاستفهام والاستنتاجات الكثيفة فقد كانت صورته في الداخل مألوفة ضمن الطاقم المتحرك في الاتحادي الأصل من وحي القناعات والأطروحات الموجودة في كنانته. يتصاعد العشم في أن يكون حاتم بمثابة البارود الذي ينفجر على المناهج البالية بدلاً من الاختفاء وراء السحب الداكنة!!