توقيع مذكرة تفاهم بين محلية شيكان ونادي كريمة الرياضي بالأبيض    احذر تناول هذه الأدوية مع القهوة    الصفا والأهلي الأبيض وجهاً لوجه بإستاد مدني في التأهيلي    ايمن قلة : لعبنا من أجل النتيجة والموسياب فريق منظم ومحترم    الأمين العام للأمم المتحدة: صراع غزة الأكثر دموية للصحفيين منذ عقود    الجيش لن نسمح بإستغلال الوضع الإنساني كغطاء لتحركات عسكرية تُفاقم الأزمة    والي الخرطوم يوجه بتخصيص البصات للعمل في خطوط دائرية بتكلفة التشغيل للمساهمة في تخفيف معاناة المواطنين    تقارير: السودان يقدّم عرضًا لروسيا..ماذا يجري؟    بشكلٍ كاملٍ..مياه الخرطوم تعلن إيقاف محطة سوبا    فيلم ملكة القطن السوداني يحصد جائزة الجمهور    تدشين 80 ماكينة غسيل كلى منحة قطرية لعشر ولايات    بالنيران الصديقة.. فلسطين تخطف فوزا قاتلا من قطر بكأس العرب    إحباط تهريب كميات كبيرة من المخدرات والمواد الخطرة بنهر النيل    رئيس الوزراء يرحب بإدانة بريطانيا لفظائع وإنتهاكات مليشيا الدعم السريع    معتصم جعفر يصل الدوحة ويطمئن على سير تحضيرات المنتخب الوطني    البرهان يعلنها بوضوح ويفجّر مفاجأة    وزير الشباب والرياضة السوداني يصدر قرارًا    عقار يطلق تصريحات مدويّة ويكشف عن خطوة بشأن الإمارات    شاهد بالصور والفيديو.. الممثلة ونجمة السوشيال ميديا السودانية خلود أبو بكر ترقص بطريقة هستيرية بعد إجرائها عملية جراحية غيرت من ملامحها وفقدت عبرها الكثير من وزنها    الممثل محمود السراج يهاجم آلة موسيقية سودانية: (دخلت الى موسيقانا فأفستده.. لا تسمحوا لعازفي الآلة بالمشاركة.. طاردوهم اينما ثقفتموهم وان استدعى الامر انصبوا لهم المشانق في الميادين العامة)    شاهد بالصور.. "ننسي الناس نعيش في دنيا برانا".. الفنانة توتة عذاب تبهر المتابعين في أحدث ظهور لها    شاهد بالصور والفيديو.. الممثلة ونجمة السوشيال ميديا السودانية خلود أبو بكر ترقص بطريقة هستيرية بعد إجرائها عملية جراحية غيرت من ملامحها وفقدت عبرها الكثير من وزنها    شقيق الفنان محمود عبد العزيز يواصل سرد كواليس اللحظات الأخيرة من حياة "الحوت": (شارد، سرحان، كلامه معاي مختصر شديد، هادي على غير العادة... وكان رايق بطريقة غريبة)    الصحة الاتحادية تُشدد الرقابة بمطار بورتسودان لمواجهة خطر ماربورغ القادم من إثيوبيا    الهلال يتعادل مع سانت لوبوبو بالكونغو    5 تحذيرات مهمة بشأن الكركم    أيّهما صحي أكثر.. الدجاج أم السلمون؟    العطش يضرب القسم الشمالي، والمزارعون يتجهون للاعتصام    إخطار جديد للميليشيا ومهلة لأسبوع واحد..ماذا هناك؟    إحباط تهريب أكثر من (18) كيلوجرامًا من الذهب في عملية نوعية    مقترح برلماني بريطاني: توفير مسار آمن لدخول السودانيين إلى بريطانيا بسهولة    ترامب: أي وثيقة وقعها "النعسان المتعجرف" بايدن باستخدام القلم الآلي ملغاة ولن يكون لها أي أثر    الرئيس الأمريكي يعلن وقف الهجرة بشكل دائم من كل دول "العالم الثالث"    الشرطة في السودان تعلن عن إحباط المحاولة الخطيرة    الميليشيا ترتكب خطوة خطيرة جديدة    إحباط تهريب أكثر من (18) كيلوجرامًا من الذهب في عملية نوعية    مخاوف من تأثر أسواق دارفور بقرار منع حظر خروج السلع من الشمالية    بالصورة.. مذيعة سودانية كانت تقيم في لبنان: (أعتقد والله اعلم إن أنا اكتر انسان اتسأل حشجع مين باعتبار اني جاسوسة مدسوسة على الاتنين) والجمهور يسخر: (هاردلك يا نانسي عجرم)    وصول 260 ألف جوال من الأسمدة لزراعة محاصيل العروة الشتوية بالجزيرة    إبراهيم شقلاوي يكتب: الكهرباء وفرص العودة إلى الخرطوم    شاهد بالفيديو.. التيكتوكر المثيرة للجدل سماح عبد الله تسخر من الناشطة رانيا الخضر والمذيعة تغريد الخواض: (أعمارهن فوق الخمسين وأطالبهن بالحشمة بعد هذا العمر)    شاهد بالصورة والفيديو.. بثوب فخم ورقصات مثيرة.. السلطانة تشعل حفل غنائي بالقاهرة على أنغام "منايا ليك ما وقف" والجمهور يتغزل: (كل ما نقول نتوب هدى عربي تغير التوب)    مصر.. تحذيرات بعد إعلان ترامب حول الإخوان المسلمين    شاهد.. بعبارة "كم شدة كشفت معادن أهلها" صورة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان تزين شوارع العاصمة السودانية الخرطوم    "نفير الأغاني".. رهان على الفن من أجل السلام    لجنة عودة المواطنين للعاصمة تتفقد أعمال تأهيل محطات المياه والكهرباء بمحلية الخرطوم    ادارة مكافحة المخدرات ولاية النيل الابيض تضع حدا لنشاط شبكة إجرامية متخصصة في الإتجار وتهريب الحبوب المخدرة    الشتاء واكتئاب حواء الموسمي    عثمان ميرغني يكتب: تصريحات ترامب المفاجئة ..    شاهد.. صور ولي العهد السعودي سمو الأمير محمد بن سلمان مع علم السودان تتصدر "الترند" على مواقع التواصل والتعليقات تنفجر بالشكر والثناء مع هاشتاق (السودان بقلب بن سلمان)    الطاهر ساتي يكتب: مناخ الجرائم ..!!    الطاهر ساتي يكتب: أو للتواطؤ ..!!    "كرتي والكلاب".. ومأساة شعب!    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    تركيا.. اكتشاف خبز عمره 1300 عام منقوش عليه صورة يسوع وهو يزرع الحبوب    (مبروك النجاح لرونق كريمة الاعلامي الراحل دأود)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د.الشفيع خضر سعيد يكتب : الانتفاضة وانحياز الجيش
نشر في رماة الحدق يوم 04 - 03 - 2019

للشهر الثالث على التوالي تتواصل إنتفاضة الشعب السوداني ضد تحالف الفساد والاستبداد الذي ظل ممسكا بتلابيب البلاد لثلاثين عاما، يعمل فيها تخريبا ونهبا لمواردها حتى أوردها مورد التهلكة، ويزرع وسط ناسها الجوع والبؤس، لكنه أبدا لم يتمكن من إقتلاع جذور الأمل والتغيير. ومن الواضح أن الشعب السوداني مصمم على التغيير، حتى ولو أخذ الأمر عدة شهور أخرى، لأنه يدرك أن البديل هو إستمرار الأفق المسدود، سياسيا وإقتصاديا، وإستمرار الحرب الأهلية المدمرة، مادام تحالف الفساد والاستبداد هو المسيطر.
وفي الحقيقة، منذ بداية هذه الانتفاضة والشعب السوداني يعي تماما أن الإنتصار لن يتحقق في أيام وأسابيع، مثلما تحقق في إنتفاضتي أكتوبر/تشرين الأول 1964، وأبريل/نيسان 1985. فالمعركة هذه المرة ليست ضد طغمة عسكرية معزولة، وإنما في مواجهة تحالف مكتمل الأركان، قائم على الفساد والاستبداد بكل صورهما وأشكالهما، بما في ذلك إقصاء الآخر، بل وقتله بكل بساطة. أساس هذا التحالف وجوهره هو مجموعات الرأسمالية الطفيلية وشرائح المنتفعين والأغنياء الجدد الذين تمكنوا من مقدرات البلاد والمال العام عبر آلية القمع وآلية الفساد والإفساد، والذين لا يمكن أن يتخلوا بسهولة عن مال السحت والنهب، وليس في ذهنهم أن يعود مال الشعب إليه، ولا أن تسود الرقابة والمحاسبة والشفافية في كل النشاط الإقتصادي في البلاد. الشعب السوداني يدرك كل ذلك، ويعي أن الطريق الوحيد لهزيمة هذا التحالف هو إستمرار الهبة الجماهيرية، مثلما يعي حقيقة أن الواقع السياسي والاجتماعي في البلاد لن يعود أبدا مثلما كان قبل إنطلاق الانتفاضة، مهما كانت نتيجة الحراك الراهن.
النظام يناور ويراوغ تحت غطاء فرض حالة الطوارئ ومواصلة قمع المتظاهرين والتنكيل بقياداتهم، وفي نفس الوقت يطلق الحديث عن الحوار والتغيير. والبعض توهم أن الرئيس سيقود تغييرا إصلاحيا يلبي بعضا من هتافات الشارع، ولكن خطاب الرئيس جاء بعيدا عن نبض الشارع، بل وفي الإتجاه المضاد، مؤكدا ما ظل الناس يتداولونه حول أن مؤسسات النظام المختلفة تحولت إلى ساحة للصراع بين مجموعات المصالح المتضاربة، حيث تصعد هذه المجموعة لتسيطر فتنفي المجموعات الأخرى. لذلك، فإن كل من يتوهم انه يستطيع تمرير مشروعه بالاستفادة من أي من هذه المجموعات في النظام، والتي تسير وتتعايش بقوة إصطراع المصالح، سيخسر رهانه.
أما ما أحدثته الانتفاضة من ثقوب في جسد النظام وخلخلة في بنيانه، فأفقدته التوازن وتمكن منه الهلع، وصارت تصرفاته السياسية محل سخرية واستهزاء. جاء في إحدى الوسائط الخبرية الأمريكية أن مدير الإدارة الأفريقية في مجلس الأمن القومي الأمريكي، سيريل سارتور، والوفد المرافق له عندما زار السودان قبل اسبوعين، إلتقى مسؤولا كبيرا في القصر الجمهوري ليبلغه أن الإدارة الأمريكية تنتظر من السودان إصلاحات موعودة قبل المضي في تطبيع العلاقة بين البلدين وإزاحة إسم السودان من قائمة الدول المساندة للإرهاب. لكن المسؤول السوداني عجّل بإنتهاء الإجتماع مع الوفد الأمريكي عندما قال لهم «لدينا معلومات أن الشيوعيين السودانيين ومن خلفهم الروس هم من يقفون خلف الأحداث ويسعون للوقيعة بيننا». فباغته المسؤول الكبير بجهاز الأمن القومي الامريكي قائلا «كيف يستقيم ذلك والرئيس البشير عندما زار روسيا طلب منهم وبالمكشوف حمايته مننا»!!.
تتواصل الهبة الجماهيرية في السودان، ويوميا تنضم إلى الانتفاضة مجموعات جديدة من كل قطاعات المجتمع السوداني، فتزيدها زخما وقوة، وتؤكد رسوخ قضية التغيير، ورسوخ شعار الانتفاضة: حرية، سلام، وعدالة، في وجدان الجميع. صحيح أن الناس، ومع كل يوم جديد من أيام الهبة الجماهيرية، ظلوا يتطلعون إلى القوات المسلحة السودانية، يرومون انحيازها للإنتفاضة وحسم الأمر لصالح الحراك الجماهيري، ويرونها الأجدر لقيادة الفترة الإنتقالية، منعا للكارثة وحفاظا على أمن الوطن وسلامة المواطنين، وإمتدادا لتاريخ الجيش الوطني الناصع منذ إستقلال البلاد. فالجيش السوداني لعب دورا رئيسيا في حقن الدماء والإنتقال السلس للسلطة من الأنظمة الدكتاتورية إلى الأنظمة الديمقراطية إبان إنتفاضتي أكتوبر/تشرين الأول 1964، وأبريل/نيسان 1985. واليوم في شوارع الخرطوم، ما أن تلتقي الجماهير بمجموعة من القوات المسلحة حتى يعلو هتاف الجميع من الجانبين: جيش واحد، شعب واحد. صحيح أن مسألة الانحياز هذه لا تتم ببساطة الحديث عنها، مثلما لا تتم تلقائيا، وإنما المسألة تخضع لشروط وقوانين، فيها المرئي وغير المرئي، لكن المؤكد أن تركيبة الجيش، والقوى النظامية الأخرى، جلها من الشباب الذي جاء من رحم هذه الجماهير المنتفضة، لذلك هي تتفاعل وتنفعل بما يدور في الشارع السوداني، وحتما تستقبل بكل ترحاب شعارات الحرية والسلام والعدالة.
أمر طبيعي أن يحاول نظام تحالف الفساد والاستبداد حماية نفسه مستخدما كل الوسائل، بما فيها وسائل المراوغة والمناورة، وكل وسائل القمع والقهر، لكن، وعلى مر التاريخ، لم تنجح كل هذه الوسائل في منع ثورات الشعوب. فجهاز إستخبارات النميري القوي لم يستطع أن يمنع أو يفرمل إنتفاضة أبريل/نيسان 1985. والقمع غير المسبوق داخل بيوت الأشباح، المدروس والمطبق بعناية لتعذيب المعتقلين السياسيين، لم يمنع تصدع الإنقاذ في نسختها الأصلية الأولى، وإضطرها، تحت الضغط الجماهيري المتواصل، لإعادة إنتاج نفسها في نسخ جديدة، مثلما تحاول الآن وهي تتلقى ضربات الهبة الجماهيرية المستمرة منذ ثلاثة شهور، وستتواصل. أما المبادرات ودعوات التغيير الجزئي ودعوات الإصلاح التي ترى المشكلة في الرئيس وليس في كل النظام، فإن جل غايتها وأقصى ما تصبو إليه هو تغيير الرأس فقط، أو إحلال الطاقم الحالي بآخر جديد مع إستمرار ذات المشروع القديم، مستقوية بفكرة الدولة العميقة وصعوبة هدمها. لكن، جذوة الانتفاضة المتقدة، وما تحمله من شحنة ثورية قوية، وإصرارها على البقاء في الشوارع حتى يتحقق الإنتصار مهما طال الزمن، ومهما صاحب ذلك من إنتكاسات مؤقتة، غير معنية بأي من هذه المبادرات.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.