لإجراء عمليات نادرة.. فريقٌ طبي مصرى يصل بورتسودان    مكافحة التهريب بكسلا تضبط 13 ألف حبة مخدرات وذخيرة وسلاح كلاشنكوف    رحلات العودة الطوعية .. 1314 من العائدين يغادرون علي القطار رقم 41    كيف تكيف مستهلكو القهوة بالعالم مع موجة الغلاء؟    تدشين نظام السداد والتحصيل الإلكتروني (إيصالي) بالنيل الأزرق    وزير العدل يلتقي بلجنة التحقيق في جرائم المليشيا باتحاد المحامين العرب    4 فواكه مجففة تقوي المناعة في الشتاء    الهلال يسعى لمصالحة الجماهير أمام مارينز    ماما افريكا تعود اليوم    اكتشاف هجوم احتيالي يخترق حسابك على "واتسآب" دون أن تشعر    ريال مدريد يزيد الضغط على برشلونة.. ومبابي يعادل رقم رونالدو    تحرّك خطير..إعدام سوداني في السعودية    وفاة مسؤول بارز بناد بالدوري السوداني الممتاز    اشتباكات عسكرية بين قوات دولة جنوب السودان والميليشيا في هجليج وسقوط عشرات القتلى والجرحى من الطرفين    هلال كوستي يجري مرانًا ساخنًا استعدادًا لمواجهة الشبيبة    اللواء الركن (م) أسامة محمد أحمد عبد السلام يكتب: مقاربة ديسمبريون (رباطة) جنجويد (قحاطة)    رحيل الفنانة المصرية سمية الألفي عن 72 عاما    شاهد بالفيديو.. الشاعرة والصحفية داليا الياس: (أنا زولة مختلفة وكتابة وسابقة زماني وما بشبه الناس)    بالفيديو.. القائد الميداني للمليشيا "يأجوج ومأجوج" يهاجم إعلام وقيادات الدعم السريع: (تريدوا تمجيد إبراهيم إدريس بعد وفاته وعندما كان حي شتمتوه ووصفتوه بالحكامة وانتو سجمانين ونظامكم قريبي وقريبك)    كامل إدريس يلتقي بمطار إسطنبول نائب وزير الخارجية التركي    شاهد بالفيديو.. بعد نهاية حفله الجماهيري بالقاهرة.. الفنان أحمد فتح الله يجري هرباً من الجمهور    شاهد بالصورة.. عروس سودانية تحكي قصة عن طيبة السودانيين: (كنت مضطرة أسافر يوم زواجي وكنت مكتئبة وبطني طامة..قابلت سيدة في الطائرة أخرجت "كيس" الحنة ورسمت لي حنة العرس ونحنا في الجو)    لتحسين الهضم والتحكم في الشهية.. ما أفضل وقت لتناول التمر؟    قبور مرعبة وخطيرة!    شاهد بالصورة.. "كنت بضاريهم من الناس خائفة عليهم من العين".. وزيرة القراية السودانية وحسناء الإعلام "تغريد الخواض" تفاجئ متابعيها ببناتها والجمهور: (أول مرة نعرف إنك كنتي متزوجة)    مدير عام الصناعة ولاية الخرطوم يزور جمعية معاشيي القوات المسلحة    إسحق أحمد فضل الله يكتب: .....(الشوط الجديد)    استشهاد فردين من الدفاع المدني في قصف مسيّرات مليشيا الدعم السريع على محطة كهرباء المقرن بعطبرة    حملة مشتركة ببحري الكبرى تسفر عن توقيف (216) أجنبي وتسليمهم لإدارة مراقبة الأجانب    "فيفا" يطلق تذاكر ب60 دولارا لكل مباراة في "مونديال 2026"    عزمي عبد الرازق يكتب: عودة لنظام (ACD).. محاولة اختراق السودان مستمرة!    انخفاض أسعار السلع الغذائية بسوق أبو حمامة للبيع المخفض    مكتول هواك يترجّل    "ونسة وشمار".. زوجة مسؤول بالدولة تتفوه بعبارات غاضبة وتعبر عن كراهيتها للإعلامية داليا الياس بعد إرسال الأخيرة رسالة "واتساب" لزوجها    هل استحق الأردن والمغرب التأهل لنهائي كأس العرب؟    تونس.. سعيد يصدر عفوا رئاسيا عن 2014 سجينا    بنك السودان يتأهب لإطلاق المقاصة الإلكترونية    البرهان يصل الرياض    ضبط أخطر تجار الحشيش وبحوزته كمية كبيرة من البنقو    ترامب يعلن: الجيش الأمريكي سيبدأ بشن غارات على الأراضي الفنزويلية    ترامب يلغي وضع الحماية المؤقتة للإثيوبيين    قوات الجمارك بكسلا تحبط تهريب (10) آلاف حبة كبتاجون    وفاة إعلامي سوداني    مسيّرتان انتحاريتان للميليشيا في الخرطوم والقبض على المتّهمين    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (حديث نفس...)    حريق سوق شهير يسفر عن خسائر كبيرة للتجار السودانيين    مياه الخرطوم تكشف تفاصيل بشأن محطة سوبا وتنويه للمواطنين    إدارة التعدين بولاية كسلا تضبط (588) جرام و (8) حبات ذهب معدة للبيع خارج القنوات الرسمية    محافظ بنك السودان المركزي تزور ولاية الجزيرة وتؤكد دعم البنك لجهود التعافي الاقتصادي    إحباط تهريب كميات كبيرة من المخدرات والمواد الخطرة بنهر النيل    الصحة الاتحادية تُشدد الرقابة بمطار بورتسودان لمواجهة خطر ماربورغ القادم من إثيوبيا    مقترح برلماني بريطاني: توفير مسار آمن لدخول السودانيين إلى بريطانيا بسهولة    الشتاء واكتئاب حواء الموسمي    عثمان ميرغني يكتب: تصريحات ترامب المفاجئة ..    "كرتي والكلاب".. ومأساة شعب!    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د.الشفيع خضر سعيد: السودان والبحث عن السلام
نشر في رماة الحدق يوم 30 - 09 - 2019

لن نمل تكرار حديثنا من أنه لا مجال لفشل محادثات السلام بين الحكومة السودانية والحركات المسلحة، الجبهة الثورية والحركة الشعبية بقيادة عبد العزيز الحلو، والمزمع انطلاقها منتصف تشرين الأول/اكتوبر القادم في جوبا عاصمة جمهورية جنوب السودان. فالفشل يعني انتكاسة حقيقية لثورة السودان المجيدة، ويعني ضرب الفترة الانتقالية في مقتل. وبصراحة، إذا ما كانت الإرادة المسيطرة حقا، عند كل الأطراف، هي الاستجابة لشعارات ثورتنا المجيدة، فليس هناك سوى اتجاه واحد يجب أن تسير فيه هذه المفاوضات، وهو اتجاه النجاح.
وكما كتبنا في مقالنا السابق، فإن أولى شروط نجاح هذه المحادثات هي ابتعادها عن المناورات التكتيكية، مثل تلك التي كانت تسود في المحادثات السابقة مع النظام البائد، خاصة وأن المحادثات هذه المرة لن تدور بين خصوم أعداء بل بين حلفاء شركاء وإن جلسوا على ضفتين. ولعل من أهم مقومات نجاح المحادثات هذه المرة، وفي نفس الوقت أسباب فشلها إذا لم تؤخذ بعين الاعتبار، هي إدراك الجميع بأن الثورة خلقت واقعا جديدا مختلفا عن الواقع السابق، ومواتيا أكثر منه لتحقيق السلام، خاصة وأن الحركات المسلحة شريك أساسي في إزكاء شعلة هذه الثورة المجيدة.
ونحن عندما نقول فشل المحادثات لا نعني فقط انفضاض جولاتها دون اتفاق بين الطرفين، وإنما نشير أيضا إلى مخاوفنا من ابتسارها واختزالها في مجرد اقتسام كراسي السلطة، الإتحادية والولائية، بعيدا عن حقوق وتطلعات شعبنا في مناطق النزاع والحروب. فمن البديهي أن معيار نجاح أي منبر تفاوضي ليس هو ما سيحققه هذا المنبر من مكاسب لأطراف التفاوض، وإنما في قدرته على فض حلقات الأزمة الوطنية لصالح الشعب السوداني. وإذا ما رجعنا بالذاكرة إلى المفاوضات والاتفاقات السابقة، سنلاحظ أنه رغم إقرار قطاعات واسعة من الشعب السوداني بأن قضيتها الأولى هي وقف الحرب، وأن ما تم في منابر الإيقاد وأبوجا والدوحة والشرق خطوة هامة في هذا الاتجاه، فإن بعض هذه القطاعات الواسعة ظل يتهم منبر الإيقاد بأنه لا يرى في السودان سوى الحكومة والحركة الشعبية، لذلك جاءت بروتوكولات ماشاكوس تعبيرا عن الرؤى السياسية لهذين الفصيلين، في حين القضايا الأخرى ذات الصبغة القومية الشاملة جاءت كناتج ثانوي لهذه الرؤى. وأن منابر أبوجا والدوحة والشرق لم تتناول قضية دارفور وقضية التهميش في شرق السودان وفق المنظور السياسي القومي، بل اختزل الأمر في اتفاق فوقي حول اقتسام كراسي السلطة.
وفي ذات الوجهة فإن البعض لخص اتفاق القاهرة بين التجمع والحكومة، رغم بنوده الثلاثة عشر التي تغطي معظم حلقات الأزمة السودانية، لخصها في أنها محاولة لزيادة نصيب أحزاب التجمع في كيكة السلطة! وغض النظر عن الاتفاق أو عدمه مع أي من هذه الرؤى، إلا أنها، في تقديري، تحتوي على بعض الجوانب الموضوعية التي ظلت تتوطد مع ازدياد تجاهل الدعوة إلى ضرورة التبني العملي لآليات الحل السياسي الشامل.
من ناحية أخرى، فإن المفاوضات، في كل تلك المنابر، كانت تحاط بسياج متين من التعتيم والسرية مما عمق الشعور بأنها ربما تسير وفق إرادة النخب السياسية وليس إرادة الجماهير صاحبة المصلحة الحقيقية، وأنها تخضع لضغوط أجنبية مختلفة ومتباينة المصالح وليس ضغوط وإرادة شعب السودان، وأن ما يتم من تقرير في ما يخص حاضر ومستقبل البلاد، لن يكتب له الاستمرار، ولن يكتسب الشرعية بحكم الواقع أو بوضع اليد، ناهيك عن الاستدامة، لأنه يتم من وراء ظهر الأغلبية الساحقة من شعب السودان. وهذا ما حدث تماما بعد توقيع تلك الاتفاقات، مؤكدا أننا لم نكن نتوهم أو يتملكنا شعور زائف، وإنما كان ذلك قراءة حقيقية لما هو متوقع. ومع ذلك، فإن حديثنا هذا لن يعمينا عن حقيقة أن المحصلة النهائية للتفاوض، في كل تلك المنابر، وبغض النظر عن درجة رضانا عن تفاصيلها، حققت على الأقل أربعة انتصارات رئيسية هي: أولا، وقف الحرب طويلة الأمد بين الجنوب والشمال، وإن لم تمنع تجددها، ولم تطو صفحتها في جنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق ودارفور، ولم تنزع فتيل التوتر في البلاد.
ثانيا، شكلت الاتفاقات اختراقا قويا في جدار الشمولية، فاتحة كوة بشّرت، ولو على استحياء آنذاك، بإمكانية التحول الديمقراطي، وبتهيئة مناخ أفضل للصراع السياسي. ثالثا، لبت الاتفاقات، ولو جزئيا، بعض مطالب سكان مناطق التوتر. رابعا، التأكيد على فشل وهزيمة مشروع بناء الدولة السودانية على أساس آيديولوجي، أيا كانت هذه الآيديولوجية، أو على أساس تصور حزبي ضيق، أيا كان هذا الحزب.
صحيح أن المفاصل الرئيسية للأزمة في السودان تشمل: الديمقراطية، بما في ذلك قضية السلطة ونوع الحكم، والسلام، والتنمية، والوحدة في مقابل تفتت وتشرذم البلاد. ورغم أن ثنائية الحرب والسلام تعتبر الحلقة المحورية في هذه المفاصل، إلا أنها حلقة واحدة ضمن عدة حلقات أخرى. فالسلام وحده لن يشبع الجوعى ويكسي العرايا ويعالج المرضى. ووقف الحرب في الجنوب لم يوقفها في دارفور، ولم يمنع اندلاعها في كوردفان والنيل الأزرق، كمل لم ينزع فتيلها في باقي البلاد. ومن ناحية أخرى، وكل ذلك يؤكد أن الصراع السياسي في السودان ليس مجرد صراع حول السلطة بين المعارضة والحكومة، مثلما لا يمكن توهم حله بمجرد وقف القتال بين المتحاربين، أو بمجرد توقيع القوى المختلفة على ميثاق شامل!. ففي الحقيقة، هو صراع حول إعادة بناء الدولة السودانية على أسس جديدة، قوامها تقنين التعدد الاثني والديني والثقافي، والنظام الديمقراطي التعددي المدني، والتنمية المتوازنة بين كل أطراف البلاد، وذلك في ظل نظام للحكم يحقق هذه الأهداف. وأعتقد أن هذا هو المدخل لتحقيق حلم كسر الحلقة الشريرة، وهو حلم لن يتحقق بضربة واحدة، وإنما عبر عدة مراحل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.