تظل قضية النفط وموارده وعملية تصديره عبر السودان، والمفاوضات التي تجرى بين السودان وجمهورية جنوب السودان، مسألة بين دولتين تحكمها القوانين الدولية والمعايير المتبعة في هذا الجانب، ومن غير المنطقي ولا المقبول أن تكون مطاولات لجودية إفريقية وملهاة إقليمية ودولية طويلة، كلما اقتربت من الحل مُطّت كخيط من علكة لميقات آخر، دون أن تكون هناك نهاية حاسمة ونتيجة ملموسة تقطع دابر الخلاف وتغلق هذا الملف اللزج. من الواضح أنه بعد انفضاض الجولة الأخيرة التي انتهت أول من أمس وعاد الوفد الحكومي إلى الخرطوم، لا سبيل لحل هذه القضية عبر الطريقة التي يتم بها التفاوض، من الواجب البحث عن صيغة أخرى حازمة في طي هذه المهزلة مع حكومة دولة الجنوب، لقد وصلنا جميعاً لقناعة أن حكومة الجنوب تتعامل مع قضية النفط باعتبارات سياسية، لا مكان فيها للمصلحة الاقتصادية ومنفعة دولة الجنوب وعلاقة جوار طيبة بين البلدين، وطبيعة الوفد الجنوبي ووجود متشنج مثل باقان أموم على رأس الوفد دليل قاطع أن الوفد مهمته سياسية محضة تهدف لتسميم وتعكير العلاقة بين البلدين وتسميم الأجواء ومنع التوصل لاتفاق، ولذلك ينبغي أن لا نضيع الوقت في مجادلات ذات مبتغى وهدف سياسي ورغبة مفضوحة في عدم التوصل لحل، وعلى الحكومة أن تعلن فوراً وبلا أدنى تردد عن رفضها مواصلة التفاوض على قضية النفط بهذه الكيفية وتقول لحكومة دولة الجنوب: «لكم بترولكم ولنا أنبوبنا وموانئنا ومصافينا»، وينفض هذا السامر، فنحن لن نخسر شيئاً وقد مضت فترة كافية منذ يوليو الماضي والسودان لم يجع ولم يعطش ولا انهار، فهذا كان غرض حكومة الجنوب هو الضغط على السلطة القائمة في الخرطوم بغرض إسقاطها، فهذا الهدف خائب والسهم طائش ... فنترك المجاملات التي نتعامل بها مع لجنة السيد ثامبو أمبيكي وبعض الأطراف الدولية الأخرى ونحشر حكومة الجنوب في زاوية ضيِّقة برفضنا الجلوس معها وعدم رغبتنا في أي اتفاق معها وليحملوا نفطهم على ظهورهم إلى أي ميناء شاءوا في كينيا أو جيبوتي أو في بلاد الواق الواق.. لقد مللنا هذه اللعبة السخيفة.... جائزة الطيب صالح ... ليلة أنيقة وراقية ورقيقة كما النسمة، كانت خاتمة مطاف فعاليات جائزة الطيب صالح العالمية للإبداع الكتابي في دورتها الثانية التي نظمتها شركة زين للاتصالات، وشرفها ليلة الخميس بقاعة الصداقة بالخرطوم، الأستاذ علي عثمان محمد طه النائب الأول لرئيس الجمهورية، وُزّعت فيها الجوائز المخصصة للترجمة والرواية والقصة القصيرة، وسط حضور كبير لأهل الفكر والإبداع والثقافة والفن، وثمة وجوه عديدة يلتقطها الرائي أثناء الاحتفال وتعكس نجاح هذه الدورة وأهميتها ودلالاتها العميقة وأثرها على الأطياف الثقافية والإبداعية، وقد تدافع حشد ليس بالقليل من دهاقنة الإبداع بالداخل والخارج وكأن طيفَ عبقري الرواية العربية الطيب صالح يتجوّل بينهم، وقد أضافت الجائزة لما خلّد الرجل به نفسه عن طريق إبداعاته، تخليداً آخر لذكراه إذ تمنح هذه الجائزة على نطاق قراء العربية وترجماتها في العالم أجمع تحمل اسم المبدع العظيم والشعار القلمي الذي صمم لها وقيمتها المادية على مستوياتها كلها، وكانت هناك في تلك الأمسية شلوخ البروفيسور يوسف فضل حسن وهو يعلِّق على تكريم ضيف شرف الجائزة البروف عزالدين الأمين، وكان البروف علي شمو بنشاط شاب غضّ الإهاب يتحرك في كل فعاليات الجائزة محاضراً ومعلقاً، وبعد غيبة عاد الدبلوماسي خالد فتح الرحمن ليعطِّر المسمع الكبير برائعة من شعره وصورة الطيب صالح الضخمة أمام المنصة تنصت هي الأخرى بذات الخشوع والهدوء المعبِّر الذي عُرف به، وفنانون تشكيليون لا يملون من التعليق ود.عبد الله حمدنا الله يحلق في فضاء المناسبة بجناحين من ريش التفسيرات والتأويلات لشخوص الطيب صالح المركبة، والكاتبة الصحافية غادة عبد العزيز خالد بهدوئها ورزانتها تأخذ من المناسبة والمكان إطلالة جدية لعالم الرواية في مدار سديمي عريض، وعثمان أحمد حسن يطوي في جيبه رواية له وأمل في مستقبل آخر لليوم الذي يلي الغد... غابة من الألوان المزركشة والمواقف وأفراح الفائزين بالجوائز من المحيط للخليج ومن مصر لأمدرمان، كانت تختزل أزمنة الطيب صالح التي عاشها والتي لم يعشها كما قال الفيتوري «بعض عمرك لم تعشه»، لم يعش الطيب صالح ليشهد عمره الذي يعيشه من جديد بين الناس وهو في سجوف الغياب... قلائد الربيع العربي.. يصنع الإعلام العربي والعالمي أيقونات الثورات العربية من رهو الدخان والسحاب، لكن مدناً عربية عجنت خبزها بالدم والرماد والدموع، مثلما كانت مصراتة هي درة الثورة الليبية التي انتصرت على أعتى نظام قمعي دموي عرفه العالم المعاصر، فإن مدينة حمص السورية توأم مصراتة في كل شيء، تعيش ذات المحنة والظروف القاسية التي مرت بها شقيقتها الليبية، تواجه حمص القصف والدمار والخراب والاجتياح اليومي لقوات النظام الدمشقي، لكنها صامدة وصابرة كما كانت مصراتة عصيّة على الاستسلام تتأبى على الخنوع المذل، وكانت تعز اليمينة في فصل من فصول الثورة تعاني ذات المصير، هذه المدن الثلاث صرْنَ قلائد في جيد الثورات والربيع العربي، تبني مجدها الجديد على سنا الدم وضياء أجساد الشهداء وجماجم العدو المتربِّص، لأنظمة لا تعرف إلا أن تشرب من دماء شعوبها وتقطف نضارة الطفولة والشباب وتزرع حقل الموت في مكان الزنابق.... شرق دارفور... كلمة للوالي الجديد لا يحتاج الأخ العزيز اللواء الركن «م» محمد فضل الله حامد لمن يذكره، فهو رجل كما عرفناه على قدر العزم والرجاء، خبِر الحياة وخبرته، جاء من غبار التجربة وغمارها مقاتلاً من طراز فريد يشهد له كل من عرفه وزامله وعايشه، وهو على قدر التحدي الجديد الذي ألقي على عاتقه ليبني ولاية شرق دارفور من الصفر أو من تحت الصفر، ولاية جديدة لا تملك من مقومات الولاية إلا مواطناً صابراً وشجاعاً وقوياً ومثابراً، سيجد وراءه رجالاً من كل أركان الولاية وفياحها، سيبدأون معه رحلة الخطوة الأولى وهي تحتاج لمعدن خاص من الناس، ولذا تم اختيار الوالي، وكلنا أمل بما يمتاز به اللواء محمد من حكمة وخبرة وتجربة صبر في قيادة هذه الولاية الجديدة بكل تحدياتها المتداخلة وتوحيد أهلها والعبور بها لأفق جديد وتمنياتنا له بالتوفيق.