إذا كانت الساحة السياسية تتصادم فيها تصريحات ومواقف الحكومة والمعارضة السلمية والحربية، فإن الكاتب الصحفي المهني المحترم يأخذ في الاعتبار وهو يتناول أمراً ما ضرورة الحفاظ على الأمن والاستقرار في كل مكان، ومن بين وأهم الأمكنة داخليات الطلاب.. وهذا يبرز من خلال طريقة تفكيره في تحليله للأمور بحيادية مهنية، بعيداً عن محاكمة أي طرف في الساحة السياسية على حساب الثوابت الوطنية التي تبقى من الضروريات الحياتية في كل مرحلة وفي كل عهد، فقضية الأمن وضرورة منع ارتكاب الجرائم ليست برنامجًا سياسيًا لنظام بعينه وهذا يحتِّم على الكاتب أن يتعامل معه من منطلق أنه ثوابت وطنية وليس ميزة لنظام دون غيره. مداهمة الشرطة لبعض الداخليات الطلابية مؤخراً جعلت بعض الكتاب يستثمرها لصالح أغراض سياسية لجهة على حساب أخرى، لكن للأسف البعض وقع في انتهاك الحياد الإيجابي، وراح يستنكر مداهمة الشرطة دون أن يتأكد لماذا كانت المداهمة، وإذا كان متأكداً، فتبقى المصيبة أكبر.. كانت مداهمة الشرطة للداخلية استكمالاً لعملية بحث جنائي كما اتضح لنا، فقد ضبطت السلطات داخل داخلية الطلاب التابعة لجامعة الخرطوم أسلحة.. وإذا استجابت الدولة لاستنكار «الكاتب» وتوقفت عن عمليات المداهمة بعد الحصول على معلومات جنائية، أي تعطل عمل المباحث الجنائية فهذا يعني إمكانية إنشاء مخازن سلاح في داخليات الطلاب.. ثم إذا قتل طالب زميله بعد أن يفتح المخزن ويحمل سلاحه تُوجَّه أصابع الاتهام إلى الشرطة كما حدث في قضية مقتل أحمد القرشي وهو في الداخلية بينما كانت قوات الشرطة بعيدة عنها وبريئة من قتل الطالب.. الذي يجب أن نفهمه هو أن الشرطة تحمي كل الأطراف ويجب على الكاتب الصحفي أن يكون محايداً. «الإنقاذ» هل تنقذ المتمرِّدين؟ «الحركة الشعبية» في دولة جنوب السودان التي تحكمها بالرضا الأمريكي والإسرائيلي اعتقلت قبل ستة أشهر أحد قادة «حركة العدل والمساواة» وهو أركو سليمان ضحية، وقبل يومين تقريباً حمّل رئيس حركة تحرير السودان جناح اتفاقية أبوجا وهو نهار عثمان نهار حكومة جوبا مسؤولية سلامة «ضحية»، الذي هو الآن ضحية لمخالفة خط الحركة الشعبية، والحركة الشعبية تكاد تطلب منك أن تقتل والديك وإذا عصيت لها أمراً فستكون ضحية مثل «ضحية»، وهو قبله تلفون كوكو أحد قادة الحركة الشعبية نفسها وقيادي في أحد قطاعاتها الحساسة «قطاع جبال النوبة» فالعظة والعبرة «هما تلفون كوكو»، لكن متمردي حركات دارفور كما يبدو لا يدركون تكلفة التعاون مع الحركة الشعبية في شقها الجنوبي.. وإذا كانوا يدركون فإنهم سيجدون أن دولة الجنوب ليست هي الملجأ المناسب لأي حركة دارفورية باستثناء حركة عبد الواحد لسبب في غاية الوضوح هو أنه يحمل الجواز السياسي الإسرائيلي. والسيد نهار اتهم أركو مناوي كبير مساعدي الرئيس السابق الذي تعرّض لمحاولة اغتيال في جوبا من الجيش الشعبي بقيادة سلفا كير اتهمه بأنه أوعز لعضوين قياديين بحركة العدل والمساواة بقيادة مؤامرة ضد «ضحية»، ومناوي رئيس حركة تحرير السودان جناح «مناوي» والسيد نهار دعا الحكومة السودانية للتحرك لإنقاذ ضحية باعتباره مواطناً سودانياً بالرغم من تمرده عليها كما قال.. لكن أليس مناوي والقياديان بالعدل والمساواة سودانيين؟! الملاحظ في ما أوردناه هنا هو أن بعض الأعضاء في كل حركة دارفورية يتعاونون مع بعض الأعضاء في حركة أخرى وثالثة، وهذا وحده يكفي أن يكون عنصر توحيد لكل الحركات لكنها ترفض.. هل بعد ذلك يمكن أن نفهم أن الحركات المتمردة التي ارتدت عن اتفاقية أبوجا ورفضت اتفاقية الدوحة لا تدور في فلك مصلحة دارفور؟! يمكن أن نفهم لكن ما العمل مع واشنطن وإسرائيل وهما يستمتعان باستمرار التمرد؟!..