باحث وداعية إسلامي من أذكار المؤمنين حسبنا الله، ويقال لهذه الكلمة: الحسبلة، كما يقال للحمد لله حمدلة، ولا حول ولا قوة إلا بالله حوقلة، وبسم الله الرحمن الرحيم بسملة.. فما معنى الحسبلة؟ الحسب: الكفاية. تقول العرب: أعطاني فأحسبني، أي: كفاني. فحسبي: كافيّ. وفي السنة لما قرأ ابن مسعود رضي الله عنه على رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة النساء وبلغ: (فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا) (النساء: 41) بكى وقال لابن مسعود: »حسبك« رواه البخاري ومسلم. أي: يكفي. فمعنى حسبي الله: كافيني. متى تُقال هذه الكلمة؟ حسبي الله كلمة استعانة بالله، فعلى المسلم أن يكثر منها، لا سيما في بعض الساعات والأحوال، ومن ذلك: في الصباح والمساء فعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: »من قال إذا أصبح وإذا أمسى: حسبي الله، لا إله إلا هو، عليه توكلت، وهو رب العرش العظيم سبع مرات، كفاه الله ما أهمه« رواه أبو داود. وهذا موقوف على أبي الدرداء رضي الله عنه، ولكن له حكم الرفع؛ لأنه لا يقال عن رأي واجتهاد، قال المنذري رحمه الله: »رواه أبو داود هكذا موقوفاً، ورفعه ابن السني وغيره، وقد يقال: إن مثل هذا لا يقال من قبل الرأي والاجتهاد، فسبيله سبيل المرفوع« (الترغيب والترهيب 1/227). وقد رُوي الأثر وفي بعض رواياته: »صادقا بها أو كاذباً«، ولا يمكن أن يؤجر شخص على أمر لا يصدِّقُه كما قال أهل العلم، فهذه الرواية لا شك في عدم صحتها، لا من ناحية الإسناد، ولا من ناحية المعنى. عند الشدائد ففي سنن الترمذي، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: »كَيْفَ أَنْعَمُ وَصَاحِبُ الْقَرْنِ قَدْ الْتَقَمَ الْقَرْنَ، وَاسْتَمَعَ الْإِذْنَ مَتَى يُؤْمَرُ بِالنَّفْخِ فَيَنْفُخُ«، فَكَأَنَّ ذَلِكَ ثَقُلَ عَلَى أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُمْ: »قُولُوا: حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ، عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا«. قال الملا علي القاري رحمه الله: »قولهم: وما تأمرنا؟ أي: أن نقول الآن، أو حينئذ، أو مطلقا عند الشدائد« (مرقاة المفاتيح 10/185). وأما حديث: »إذا وقعتم في الأمر العظيم فقولوا: حسبنا الله و نعم الوكيل« فلا يثبت. لرد كيد الأعداء: وقد ثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: »(حسبنا الله ونعم الوكيل)، قالها إبراهيم عليه السلام حين ألقي في النار، وقالها محمد صلى الله عليه وسلم حين قالوا: (إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل)« صحيح البخاري. وفي رواية عنه: كَانَ آخِرَ قَوْلِ إِبْرَاهِيمَ حِينَ أُلْقِيَ فِي النَّارِ حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ. رواه البخاري وأما نبينا صلى الله عليه وسلم فإنه لما مر ركب برسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وهم بحمراء الأسد، فأخبرهم بأن أبا سفيان جمع لهم، -وذلك بعيد أحد- وقالوا : (إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ )، أي: زاد المسلمين قولهم ذلك (إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ) (آل عمران: 173، 174). وكان يزيد بن حكيم يقول: ما هِبت أحداً قط هَيبتي رجلاً ظلمتُه وأنا أعلم أنه لا ناصر له إلا الله، يقول لي: حسبي الله، الله بيني وبينك. عند الخوف من وقوع الظلم: فعن أم المؤمنين عائشة وزينب بنت جحش رضي الله عنهما، أنهما تفاخرتا فقالت زينب: زَوجني الله وزوجَكُن أهاليكن. وقالت عائشة: نزلت براءتي من السماء في القرآن. فَسَلَّمَت لها زينب، ثم قالت: كيف قلتِ حين ركبت راحلة صَفْوان بن المعطل؟ فقالت: قلت: حسبي الله ونعم الوكيل، فقالت زينب: قلت كلمة المؤمنين« رواه الطبري في التفسير (19/119). عند حلول الظلم بك: فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: »لَمْ يَتَكَلَّمْ فِي الْمَهْدِ إِلَّا ثَلَاثَةٌ ... وَبَيْنَا صَبِيٌّ يَرْضَعُ مِنْ أُمِّهِ، فَمَرَّ رَجُلٌ رَاكِبٌ عَلَى دَابَّةٍ فَارِهَةٍ وَشَارَةٍ حَسَنَةٍ، فَقَالَتْ أُمُّهُ: اللَّهُمَّ اجْعَلْ ابْنِي مِثْلَ هَذَا. فَتَرَكَ الثَّدْيَ، وَأَقْبَلَ إِلَيْهِ فَنَظَرَ إِلَيْهِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْنِي مِثْلَهُ. ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى ثَدْيِهِ فَجَعَلَ يَرْتَضِعُ -قَالَ: فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَحْكِي ارْتِضَاعَهُ بِإِصْبَعِهِ السَّبَّابَةِ فِي فَمِهِ فَجَعَلَ يَمُصُّهَا- وَمَرُّوا بِجَارِيَةٍ وَهُمْ يَضْرِبُونَهَا وَيَقُولُونَ: زَنَيْتِ سَرَقْتِ. وَهِيَ تَقُولُ: حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ. فَقَالَتْ أُمُّهُ: اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْ ابْنِي مِثْلَهَا. فَتَرَكَ الرَّضَاعَ وَنَظَرَ إِلَيْهَا فَقَالَ: اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِثْلَهَا (أي: سالما من المعاصي كما هي سالمة منها، وليس المراد أن ينسب إلى باطل يكون منه بريئا). فَهُنَاكَ تَرَاجَعَا الْحَدِيثَ فَقَالَتْ: حَلْقَى (أي: أصابك الله بوجع حلق، وهذا دعاء باللفظ دون إرادة معناه)،مَرَّ رَجُلٌ حَسَنُ الْهَيْئَةِ فَقُلْتُ: اللَّهُمَّ اجْعَلْ ابْنِي مِثْلَهُ، فَقُلْتَ: اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْنِي مِثْلَهُ! وَمَرُّوا بِهَذِهِ الْأَمَةِ وَهُمْ يَضْرِبُونَهَا وَيَقُولُونَ: زَنَيْتِ سَرَقْتِ فَقُلْتُ: اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْ ابْنِي مِثْلَهَا، فَقُلْتَ: اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِثْلَهَا! قَالَ: إِنَّ ذَاكَ الرَّجُلَ كَانَ جَبَّارًا، فَقُلْتُ: اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْنِي مِثْلَهُ. وَإِنَّ هَذِهِ يَقُولُونَ لَهَا: زَنَيْتِ، وَلَمْ تَزْنِ، وَسَرَقْتِ، وَلَمْ تَسْرِقْ، فَقُلْتُ: اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِثْلَهَا« راوه البخاري ومسلم. وهو أراد حالها لا بلاءها. يريد: استقامتها وعفتها، ولا يريد أن ينسب إلى باطل ظلماً والشاهد: أنهم لما ضربوا الجارية وهي مظلومة قال هذه الكلمة، وإنما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك؛ للاقتداء. عند إحسان الظن بالله وانتظار فضله قال تعالى: (وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ * وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ) (التوبة: 58-59). قال السعدي رحمه الله: »(وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ)، أي: كافينا الله، فنرضى بما قسمه لنا، وليؤملوا فضله وإحسانه إليهم بأن يقولوا: (سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُون)، أي: متضرعون في جلب منافعنا، ودفع مضارنا، لسلموا من النفاق ولهدوا إلى الإيمان والأحوال العالية« تفسير السعدي (1/340). ثمرات قولها والصدق في اعتقاد مدلولها العاقبة الحسنة في الدنيا والآخرة، ورضوان من الله أكبر .. قال تعالى: (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ* فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ) (آل عمرن: 173-174). والنعمة: النجاة من الأعداء. والفضل: التجارة والمكسب الدنيوي والربح الذي تحقق لهم. ورضي الله عنهم.