كلنا يدرك أن السودان يمتلك ثروة حيوانية هائلة وأن كثيراً من الدول المجاورة تعتمد على السودان في تزويدها باللحوم الحية وذلك نظراً لجودة هذه اللحوم المنتجة من المراعي الطبيعية الخالية تماماً من آثار التلوث وانعكاساته الصحية. وأن صادرات السودان من الثروة الحيوانية تشكل رافداً قوياً لاقتصاد البلاد القومي من العملة الصعبة خاصة بعد ضعف مساهمة قطاع الإنتاج النباتي في دعم الاقتصاد القومي. في الآونة الأخيرة كثر الحديث عن توطين أهلنا الرحل إلى أن وصلنا إلى مرحلة إنشاء المنظمات المناط بها توطين هؤلاء الرحل بحجة تغيير نمط حياتهم من البداوة إلى الحضر لكي يسهل تقديم الخدمات الضرورية لهم ناسين أو متناسين أن تغيير طرق استخدامات الأرض المتوارثة بأخرى مستحدثة يتم عادة وفق أسس وقواعد متفق عليها تماماً، أهمها أن تكون هناك حاجة ملحة لهذا التغيير مع منع التغيير غير المرغوب فيه بمعنى أن يكون التغيير مقبولاً لدى مستخدمي الأرض الحقيقيين، فهل استشرتم أهلنا الرُّحّل قبل الدخول في تكوين هذه المنظمات؟ كما أن أي استبدال لاستخدامات الأرض يؤدي إلى تدهورها كمورد طبيعي مهم يعتبر استخداماً غير صالح، وقد أشرنا في مقال سابق إلى أن نمط الترحال هو أحد الخيارات المعمول بها في الحفاظ على المراعي الطبيعية من الإجهاد ومن ثم التدهور وإشراك المجتمع المحلي في عملية إحداث التغيير المنشود ترجع إلى كونهم أكثر الناس إدراكاً من غيرهم بالمشكلات المتعلقة باستخدامات الأرض والفرص المتاحة للاستبدال وللاستفادة من معرفتهم بطبيعة الأرض واقتصادياتها واستخداماتها وبالتالي ضمان قبولهم للحلول المتطورة للاستخدام ومن ثم مشاركتهم في تنفيذ هذه الحلول. ترجع أهمية المراعي كمورد طبيعي لكونها يعتمد عليها حوالى 3040 مليون نسمة من الناس في المناطق الجافة وشبه الجافة يوجد أكثر من 50 % منهم في إفريقيا ويشار إليهم بالرحل ويعتمد مواطنو الدول النامية على المراعي أكثر من غيرهم في الدول الصناعية، وذلك لعدم وجود فرص وظيفية أخرى وتدمير هذا القطاع معناه تشريد أعداد كبيرة من البشر ونزوحهم من الريف إلى الحضر. ويرى كثير من العلماء أن سياسات التطوير لهذا القطاع يجب أن تتبنى نظم الرعي التقليدية كأساس يبنى عليه التحديث. كأن يُبدأ بتحسين السلالات الموجودة بإدخال نسبة من الدم الأجنبي في السلالات المحلية المعروفة بحيث لا يؤدي هذا التحسين إلى إنتاج سلالات لا تتعايش مع الظروف الطبيعية والبيئية السائدة وفشل تجربة الأبقار المستجلبة في منطقة شمال مشروع الجزيرة الماثلة أمامنا الآن على الرغم من أن حياة مواطني هذه المنطقة كبدو مقيمين أقرب لحياة الحضر من الريف خير دليل على صحة فرضية أن يبنى التحديث على التقانات المحلية المتوارثة، أيضاً من الحلول المتاحة إمكانية تقديم الأعلاف المكملة والأغذية الإضافية والأغذية المخزونة لتسمين عجول الذبيح المحلي والصادر وتجربة جامعة أم درمان الإسلامية في هذا المجال يمكن أن يحتذى بها مع تحسين ظروف التسويق للمنتجين لضمان تغطية هذه النفقات الإضافية بالإضافة إلى توفير الخدمات الصحية والبيطرية للإنسان والحيوان مع التركيز على إحداث تنمية بشرية حقيقية من خلال توفير وسائل التعليم والمعرفة لإحداث النقلة الحضارية المطلوبة، وهذا هو الأهم لأن الموارد البشرية هي رأس المال الحقيقي الأساسي لعمليات التغيير المنشودة. لهذا نقترح تغيير منظمة توطين الرحل اسمها إلى منظمة تطوير الرحل الخيرية حتى يكون الهدف أشمل وحتى يتمكن الرحل من توطين أنفسهم بأنفسهم. No development is greater than that of the mind. د. إبراهيم عبدالله كوكو كلية الزراعة جامعة أم درمان الإسلامية تعليقنا: وجد موضوع الرحل نقاشا كثيرًا، لذا رأت إدارة صحيفة الإنتباهة عقد ورشة تجمع كل الأطراف المهتمة بالرحل، يجري الترتيب لها الآن.