ذكرت فى الحلقة الاولى بعض ممرات الخريطة الذهنية للعقل السياسى للحركة الشعبية التى ستعمل من خلالها على استثمار الهزيمة وتحويلها الى نصر، وادلف فى هذه الحلقة الى كيفية استثمارنا لهذا النصر، ان ما تحقق فى هجليج من ضربة قاصمة لظهر الحركة الشعبية وتدمير ساحق لآلتها الحربية وخناق محكم على جنودها الفارين يبقى من اعظم المعارك التى خاضها السودان مع حركة التمرد هذه منذ نشأت، ولكن النصر هذا مع عظمته اعتاد الشعب السودانى ان الحكومة اذا دخلت فى دهاليز «فاوض يفاوض تفاوضًا» احالت هذا النصر الى هزيمة، وهذه الروح المعنوية العالية الى احباط، وهذا الالتفاف حولها الى انفضاض عنها، وفى قراءة لما يمكن ان تتخذه الحكومة بعقل ذكي وعبقرية سياسية حتى تستثمر هذا النصر استثمارًا يجعل من معركة هجليج غزوة الخندق نغزوهم بعدها ولا يغزونا كما قال النبي عليه الصلاة والسلام بعد انجلاء جيش قريش المحاصر لدولة المدينة يمكننى القول: 1/ إن معركة هجليج اثبتت بما لا يدع مجالاً للشك صوابية مدرسة سياسية فكرية تحليلية فى الموقف من الحركة الشعبية والتعامل معها وسقطت معها مدرسة اخرى كانت طريقتها فى التعاطى مع ملف الحركة الشعبية تسوق البلاد من رهق تقرير المصير الى رهق اتفاقية نيفاشا الى رهق المناطق الثلاث وبرتكول ابيي الى رهق الانفصال غير الآمن وغير المدروس الى رهق الاتفاقية الاطارية بأديس ابابا الى رهق الحريات الاربع الى رهق حفل باقان الراقص بالخرطوم الى رهق احتلال هجليج الى رهق احراق منشآتنا النفطية، هذه المدرسة كانت تخدع نفسها بتكييف الحركة الشعبية كحركة وطنية مطلبية نتيجة ظلامات وقعت على المواطن الجنوبى، ومن ثم ظنت ان الاستجابة الى تلك المطالب الموصوفة بالموضوعية سيؤدى الى احتواء هذه الحركة داخليًا وابعادها من الاستغلال الخارجى، هذه الرؤية السطحية هى التى جعلت الحركة شريكًا مشاكسًا فى الحكم وهى التى اعترف رئيس الجمهورية بخطأ الانقاذ فيها عندما ظنت انها اسلمت الجنوب الى قيادة جنوبية وطنية، إن من اعظم فرص استثمار معركة هجليج هو تصحيح هذه الرؤية، إذ بتصحيحها ندخل فى مرحلة جديدة فى التعاطى مع ملف الحركة الشعبية، ولا بد من الاعتراف بصوابية المدرسة الاولى التى اشرت اليها فى مقدمة هذه النقطة، وهى التى ظلت تكتب وتحاضر وتناقش وتناظر ومضت كالنذير العريان تهتف فى الناس ان الحركة الشعبية لا صلة لها بالجنوب، ولا بشعبه، ولا تنطلق من مطالب وطنية، وانما هى حركة وظيفية، وستتحول الى دولة وظيفية تنفذ اجندة صهيونية، والتفاوض معها والجلوس اليها واعطاؤها بعض الحقوق المدعاة هنا او هناك هو فى حقيقته اعطاء للفاعل الصهيونى وتمكينه من الدخول الى حرمنا، وخطوة فى اتجاه تنفيذ مشروعه، لقد كان الصهاينة اعضاء فى حكومة الوحدة الوطنية، وكانوا قادة فى القوات المشتركة، وضباطًا بجهاز الامن والمخابرات الوطنى وولاة ووزراء ادخلتهم نيفاشا الى كرش الوطن، ترى ماذا فعلوا وقتها وكم زرعوا من عيون واشتروا من عملاء من بنى جلدتنا وملتنا، وكم جندوا من مصادر؟ كنت استمع الى احد الساذجين وهو يبرر فوز مالك عقار بانتخابات ولاية النيل الازرق بالقول «مالك عقار هذا اشتريناه وفاز مقابل صفقة»، وهكذا بعض الذين لا يحترمون عقول من يخاطبون وعقولهم وربما ليس فى رؤوسهم عقول اصلاً يمضون فى تبرير كل انتكاساتنا السياسية وتحويلها الى عنتريات عبقرية، فالإنقاذ تدرس كل شيء ولا تقع ابرة فى بحر او نهر او صحراء الا بعلمها ووفق خطتها!!، قلت له: «بكم اشتريتموه بمنصب والٍ وامريكا تمنيه بمنصب رئيس الجمهورية؟! بكم اشتريتموه عشرة ملايين دولار امريكا ستدفع عشرة ملايين وعشرة سنت بالاضافة الى تهديده باسقاط طائرته ان هو خرج عن السيناريو المرسوم له كما سقطت طائرة زعيمه»، هذا الغباء السياسي الذى كان يقول لنا لقد استطاع شيخ علي ابان التسعة اشهر من مفاوضات نيفاشا ان يجعل من جون قرنق صديقًا له بل بعضهم قال ربما يعلن جون قرنق اسلامه قريبًا!! والبعض زعم ان احمد هارون استطاع ان يجعل من ياسر عرمان «فردة»، وياسر عرمان يسب لأحمد هارون القادة الجنوبيين ويصفهم بالعبيد فى جلساتهم الخاصة، كل هذه المناظر والحكايات والروايات عززت حالة السطحية فى التعامل مع الحركة الشعبية، فهل يمكن ان نجعل من «فلقة هجليج» نقطة تحول فى تعافي الجسد السياسي من حالة الغفلة والسذاجة ام ستطل علينا افعى المفاوضات المخزية برأسها؟ وما زال رأس الاقتصاد السودانى داميًا ومعصوبًا من تلك «الفلقة» لنتحدث عن الجوار الآمن والدولة الصديقة أين السينات الثلاثة «سيد الخطيب ، يحيى حسين ، إدريس عبدالقادر» التي شهد الشعب السودانى كله كيف خدعها باقان اموم؟ مالي لا أراها فى سوح «التعبئة» لم نسمع لها صوتًا لا في اذاعة ولا تلفاز ام هى متخصصة فى «التنفيس والتفريغ» ولا علاقة لها بالتعبئة؟!! ايها القوم ان البحث عن جوار آمن ودولة جنوب صديقة فى ظل حكم الحركة الشعبية هو ابعد استحالة من عشم ابليس فى الجنة ! ان اعظم استثمار لهذا النصر ان نقبر مع اجساد الهلكى من جنود الحركة الشعبية هذه المرئية السياسية الساذجة فهذا اول ممر فى الخريطة الذهنية يجب ان يعبّد ويسفلت!!