أظهر القرار الدولي الذي صدر من مجلس الأمن قبل أيام مضت والداعي إلى ضرورة عودة الحكومة السودانية وحكومة دولة الجنوب إلى المفاوضات ردود أفعال متفاوتة وسط الساحة السياسية، ففيما أشار بعض السياسيين إلى أن القرار فيه تبطين للمساواة بين الضحية والجلاد أكد آخرون أنه شرك كبير نُصب للسودان تحت سيناريوهات دقيقة، وأرجع البعض الأمر إلى أن الآلية الدولية المسماة بالأممالمتحدة إنما تسعى لتجعل من دولة الجنوب هي الآلة المسيطرة في المنطقة، وأن القرار فصل لتحقيق هذا المخطط الذي تريده كلٌّ من الولاياتالمتحدة وحليفتها إسرائيل التي تخطط إلى نقل المنطقة من حرب النفط إلى حرب المياه بإقامتها لسدود الألفية في إثيوبيا. «الإنتباهة» عبر هذا الاستطلاع كشفت ما تبطنه المؤسسة الدولية للسودان وفق ما أكده لها السياسيون والخبراء العسكريون في هذا الاستطلاع: شرك كبير للحكومة: { يقول الدكتور علي حسن تاج الدين القيادي بحزب الأمة ومستشار رئيس الجمهورية السابق إن التفاوض من حيث المبدأ مقبول وذلك لإيجاد حل سلمي للقضايا محل الخلاف والعالقة بين البلدين. ولكنه يرى أن الخطاب السياسي تجاه القرارالأممي نفسه من قبل الحكومة غير موحد فالهيئة التشريعية تقول قولاً والخارجية تقول غيره، ودعا إلى توحيد الخطاب السياسي تجاه الأسرة الدولية وأن يُترك للخارجية فرصة القيام بما هو منوط بها في الشأن الخارجي وفقًا لمسؤولياتها. وقال د. علي مستطرداً: يلاحظ أن هناك حماسة طاغية في الساحة ولكن يجب العلم أن الحماسة في التعامل مع الشأن الدولي غير مفيدة بيد أنه أرجع الأهمية في الأمر إلى دراسة القرار من كل الجوانب حتى يكون الرد الحكومي موحدًا وقويًا.. وجدد تاج الدين أنه مهما كانت نتائج الحرب لا بد من الذهاب إلى طاولة التفاوض كما دعا إلى احترام الحدود الدولية للدولتين لأنهما أعضاء في الأممالمتحدة وأنه لا بد من كبح العواطف ووقف إطلاق النار، وطالب د. علي حسن بقراءة القرار بتأنٍ لأنه يرى أن فيه شركًا كبيرًا منصوبًا للحكومة ويجب تفاديه بالتأني وعدم استعجال الأمور. القرار كيل بمكيالين { أما الأستاذ عبدالرسول النور القيادي المعروف بحزب الأمة فإنه قال في حديثه ل (الإنتباهة) إنه وبالرغم من التوقيت الذي ظهر فيه قرار مجلس الأمن والمهلة الضيقة التي أعطاها القرار لدولتي السودان وجنوب السودان لوقف العدائيات والجلوس للحوار دون أي شروط مسبقة وبالرغم من كل هذا نجد أن مبدأ الحوار هو الأساس لقيام علاقات بين الدولتين وذلك لأنه من المستحيل أن تتعايش دولتان وهما في حالة حرب وعدوان مستمر.. وقال إن دولة الجنوب قد اعتدت على السودان واحتلت أراضيه ولكن استطاعت القوات المسلحة تحريرالمنطقة واتجهت الآن لتحرير مناطق أخرى مثل بحر العرب وسماحة وكفن دبي، وأضاف بقوله أعتقد أن الحوار يجب أن يسير جنبًا إلى جنب مع حق دولة السودان في رد العدوان وتحرير جميع أراضيه من قبضة الجنوب، وأكد أن المفاوضات حينها ستكون مثمرة وسوف تأتي بنتائج إيجابية ترتب الأوضاع الأمنية والقضايا العالقة بين الدولتين.. أما إذا أصرت دولة الجنوب والحديث لعبد الرسول النور على العدوان وتسليح المعارضة فإن الحوار سيكون حوار الطرشان، وأكد أن مجلس الأمن مجلس منحاز ولأول مرة يدين دولة الجنوب على عدوانها ولكنه أسقط قرار الإدانة بمساواة السودان بدولة الجنوب وهذا كيل بمكيالين وفيه ظلم كبير على السودان. تحييد للقوات المسلحة أما سعادة اللواء الركن عبد الرحمن أرباب مرسال الخبير العسكري والإستراتيجي المعروف فأكد أن القرار ليس في صالح السودان، فهو قرار نبع من المنظمة الإفريقية فيما تبنته أمريكا وما يشابهها باعتبار أنها أرادت أن تضيِّق على السودان رغم أنه الدولة المعتدى عليها ورغم أن السودان حافظ على مقتضيات السلام حتى قال الكثير من مواطنيه إن الجنوب أخذ أكثر مما يستحق، ولهذا برأيي أن القرار جاء لتحييد القوات المسلحة من استرداد أراضيه وبالمقابل أعطى فرصة للحركة الشعبية جناح الشمال لتجلس إلى الحكومة وتفاوضها وفي نفس الوقت أيضًا لم تتحدث عن الحركات المسلحة المناوئة لدولة الجنوب في مسعى لكي يكون الجنوب دولة ذات قوة أمنية مناوئة للحكومة تحت سيطرة حلفاء الجنوب. والمراد من الأمر كله أن تؤول السيطرة لأمريكا وإسرائيل، وقال الأرباب إنه متشائم حتى الثمالة ولا أجد في القرار أي إيجابية غير أنه امتداد لاستنزاف قدرات السودان وإخضاعه لسيطرة الدول ذات الهيمنة في المنطقة «أمريكا وإسرائيل وغيرهما». الخرطوم سترفض وهذا هو المخطط(...) { أما بروفيسور صلاح الدومة المحلل السياسي والخبير المعروف فقال إن القرار به عقوبات، لماذا؟ لأن هناك مواضيع تدفع حكومة الجنوب لرفع سقف المطالب وهذه الأشياء هي محاباة المؤسسات الدولية للجنوب، ثانياً أن الأخطاء التي يرتكبها نظام الإنقاذ وبشكل وصورة راتبة منها موافقته على ما رفضه بعد حين وبأسوأ الشروط.. هذه الأشياء بالإضافة للمحاباة لدولة الجنوب سيجعل دولة الجنوب ترفع من سقوفات مطالبها وحكومة السودان سترفض هذه المطالب والسيناريو المتوقع هو أن يقوم مجلس الأمن والأممالمتحدة بتوقيع العقوبات على الخرطوم. وهذا ما يتوقع من القرار. أما الأستاذ وليد محمد الريح الاتحادي المستقيل فيقول إن استمرار المفاوضات بين الدولتين هو الخروج من المأزق لأن الحدود التي تمتد بين البلدين طويلة وتمتد لمسافة طويلة ويمكن خرقها لأبسط سوء تفاهم يقع بينهما وطالب الريح بضرورة وضع النقاط على الحروف بوقف العدائيات ووقف ما يسمى بالجنسية المزدوجة وإكمال عملية ترسيم الحدود تحت رقابة دولية وفتح السفارات بين البلدين مشيراً إلى أن الأزمة القادمة هي حرب المياه والتي بدأت تباشيرها اليوم بإقامة السدود المدعومة من قبل إسرائيل ويجب وضع حل لكل هذه التدخلات بإغلاق الملف نهائياً وأن يلتزم كل طرف بما يليه. عقوبات محتملة: { أما الخبير الأمني حسن بيومي فأردف قائلاً: هذه محكمة وقرار ملزم للطرفين وإذا لم ينفذ سوف يوقع عليها عقوبات ومن الأفضل أن يعرف كل طرف أين مصلحته لأنه قرار ملزم للطرفين وطالما كنت عضوًا في مجلس الأممالمتحدة السيادة منقوصة وإذا لم ترضَ بالقرارات سوف يطبق عليك القانون. خميرة عكننة { الخبير العسكري إبراهيم نايل إيدام قال: إذا نظرنا من ناحية منطقية هل الإنسان في الدنيا يريد سلامًا أم حربًا هل يوجد اسم من اسماء الله الحسنى بمعنى حرب؟ لكن يوجد من بين أسماء الله الحسنى (السلام) والشيء المطلوب هو السلام ونحن لا نريد كسر ظهر السودان، أما فيما يختص بجيراننا في دولة جنوب السودان فلا نريد أن يكون جنوب السودان خميرة عكننة ولا بد من الرجوع إلى اتفاقية نيفاشا.. ومعرفة ما هو الشيء الذي لم يتم في الاتفاقية ويجب إحضار المراقبين والطرفين لتكملة ما تبقى فدولة السودان وجنوب السودان دولتان متجاورتان لا بد أن يعيشا في سلام. فإذا رضينا أو رفضنا سوف يكون هنالك تداخل بين الدولتين. مجلس الأمن يتولى الملف: { وفي ذات السياق قال المحلل السياسي عبده مختار هذا القرار يشير ويدل على أن مجلس الأمن قد تولى ملف أزمة الشمال والجنوب والجانب المهم كون أن مجلس الأمن يرعى المفاوضات هذا يعني شيئًا إيجابيًا على الأقل يستطيع مجلس الأمن أن يقف بنفسه على التفاصيل اللازمة ويعرف بنفسه من هو الطرف الملتزم وغير الملتزم ومن ناحية حكومة الخرطوم هذه خطوة تعتبر إيجابية بقبولها والتزامها بالقرار، وهذا يؤكد على سلامة موقفها وثقتها في التفاوض ولا بد لمجلس الأمن أن يكون محايداً في معالجته للأزمة. المساواة بين الضحية والجلاد: { أما القيادي بالمؤتمر الوطني محمد بريمة فقال إن القرار من حيث المبدأ فيه إدانة للمعتدي ولكن بطّنت في المساواة بين الضحية والجلاد وهذا يدل على نفوذ الجهات المعادية للسودان على سبيل المثال مندوبة الولاياتالمتحدةالأمريكية والعزاء في هذا القرار أن هنالك إرادة جماهيرية شعبية أجمعت على مساندة القيادة والوقوف معها والتضحية بكل غالٍ ونفيس وبالتالي تعتبر بمثابة مسك عبور للقيادة بأن تتخذ ما تراه من إجراءات في سبيل الحفاظ على السودان وعزة أهله وكرامته وعدم الرضوخ إلى أي مساومات في إطار مصلحة السودان العامة وفي النهاية السودان على حق وغيره على باطل وبالتالي لا يعلو الباطل على الحق إلا في حالة واحدة وهي عندما يتخلى أهل الحق عن حقهم ويتمادى أهل الباطل في باطلهم. المساواة بين الضحية والجلاد { وبدوره لم يستغرب الدكتور إسماعيل الحاج موسى نائب رئيس مجلس الولايات والخبير القانوني والمحلل السياسي قرار مجلس الأمن القاضي باستئناف المفاوضات بين الدولتين. ووصف هذا القرار بالمتحامل على السودان والمنحاز في نفس الوقت لدولة جنوب السودان مؤكدًا أنه (أي القرار) قد ساوى بين الضحية والجلاد كما يقول المثل وقال الحاج موسى إن هذا القرار أتى بعد أن كانت رئاسة المجلس لدى مندوبة الولاياتالمتحدة سوزان رايس والمعروفة بتحاملها وعدائها القديم المتجدد للسودان ولحكومته فليس غريبًا وفي ظل هذه الظروف أن ينحاز مجلس الأمن لدولة الجنوب على دولة السودان وأشار إسماعيل الحاج موسى إلى أن الاتحاد قد مورست عليه ضغوط كثيفة وذلك واضح من خلال قرار مجلس السلم والأمن الإفريقي موضحًا أن على الحكومة ألّا تستأنف التفاوض إلا بعد أن يخلي الجيش الشعبي كل المناطق السودانية التي احتلها لكنه استطرد بالقول إن وزارة الخارجية السودانية قد قبلت وقف العدائيات وليس أمامها سوى قبول القرار والعمل به، واعتبر إسماعيل الحاج موسى أن القرار جائر ومتحيِّز وغير متوازن مطالبًا في ذات الوقت وزارة الخارجية بتنوير الشعب السوداني حول هذا القرار وكل أبعاده وحيثياته حتى تتضح الرؤية خاصة وهناك حالة من الشعور بالغبن تسيطر على المواطنين جراء هذا القرار ولا بد لها من فعل ذلك وبأسرع وقت ممكن. القرار جائر ومنحاز للجنوب: { ويرى المحلل السياسي وأستاذ العلوم السياسية بجامعة النيلين البروفيسور حسن الساعوري أن قرار مجلس الأمن الدولي والذي ينص على وقف العدائيات واستئناف التفاوض والوصول إلى حل شامل لكل القضايا بين الدولتين وإلا فالعقوبات تنتظر الدولتين هو قرار جائر وفيه انحياز واضح وصارخ للجنوب ولدولته لجهة أن دولة الجنوب تعتبر دولة غازية فكيف يتم التفاوض معها وهي إلى الآن تحتل بعض المناطق السودانية فأي منطق هذا هو الذي تستشفه من القرار؟! وأوضح الساعوري أن دولة الجنوب قد فشلت عسكرياً في اختراق السودان والهجوم عليه لكنه الآن قد بدأ غزو السودان من خلال قرارات مجلس الأمن والتي تكون دائمًا وأبدًا ضد السودان وضد مصالحه وتطلعاته وهي في صالح أعدائه وما قرار مجلس الأمن الأخير والذي نحن بصدده الآن ببعيد عن ذلك، وأكد بروف الساعوري أن معنى القرار هو أنه إذا أراد السودان استرجاع أراضيه التي احتلها الجيش الشعبي فسيعاقب على ذلك بعقوبات في شتى المجالات وفي المقابل لا توجد ولا حتى إشارة في القرار أو حديث عن دولة الجنوب وكأن القرار لا يعنيها بالأساس ونبه الساعوري في حديثه ل«الإنتباهة» على أن أخطر نقطة في هذا القرار هو النص الخاص بضرورة التوصل إلى اتفاق في جميع القضايا الخلافية بين الدولتين في موعد لا يتجاوز ال«3» أشهر من تاريخ القرار موضحًا أن تعنت الحركة الشعبية سوف يؤخر الحلول لأنها دائمًا ما تقف حجر عثرة أمام الحلول، وقال الساعوري إن حكومة السودان قد قبلت القرار بشرط أن تنسحب القوات المعتدية من كل المناطق السودانية وخاصة المناطق التي تم الاعتداء عليها أخيرًا.