ظلت الحركة الشعبية إبان وجودها في معسكرات التمرد بإريتريا تُجري محاولات مستميتة من أجل اختراق الجبهة الداخلية لشرق السودان، ولتعزيز هذه المحاولات ارتدى جون قرنق الزي البجاوي وهبط بطائرته في أرض همشكوريب المحتلة ليحرض أبناء البجا على العصيان والتمرد بحجة التهميش، وزاد بالقول: «إنتو مهمشين أكثر مننا» ثم غادر وقد ترك جنوده مع مقاتلي جبهة الشرق في إطار التنسيق العسكري الذي أوصى به التجمع الوطني لهذين الفصيلين. نحكي هذا الفصل من التاريخ القريب لنرى ما الذي حدث وإلى أين مضى التنسيق الذي فرضته قيادة التجمع الوطني على حاملي السلاح من الأحزاب السياسية المنضوية تحت لوائها لإسقاط الحكومة، ولكن الحركة الشعبية كانت ترمي من خلال التنسيق مع مقاتلي البجا على استغلال موقع الشرق الجغرافي وتفجير الخط الناقل للبترول ثم احتلال مدينة بورتسودان وخنق السودان باتجاه الشرق، وهنا رفض حاملو السلاح من أبناء البجا التنسيق مع جنود الحركة الشعبية بسبب أن تركيبة إنسان الشرق العقدية لا تتسق مع أسلوب الحركة الهمجي، ورأوا أن العقيدة القتالية لجنود هذه الحركة ترتكز على الحقد والكراهية، ورأوا كيف أن هؤلاء الجنود كانوا لا يتورعون عن إبادة القرى وقتل النساء وذبح الأطفال وهذا مسلك عدائي لا يتسق مع طبيعة وأسلوب أبناء الشرق، لذلك رفض حاملو السلاح من جبهة الشرق التنسيق العسكري وأبقوا الباب على مصراعيه أمام التنسيق السياسي، وهنا التقط قفاز المبادرة نفرٌ من أبناء الشرق بالداخل لاستثمار أجواء الخلاف بين الحركة وجبهة الشرق وعملوا جاهدين لإقناع حاملي السلاح بأن مشكلات الشرق يمكن أن تطول عبر الحوار وأن قضيتهم المتمثلة في المطالبة بالتنمية المتوازنة والمشاركة في السلطة والثروة ستجد الحل المناسب إن هم جنحوا للسلم. سافر وفدٌ من أبناء البجا بالداخل بقيادة ناظر عموم الهدندوة وعضوية ممثلين لنظارات البني عامر والبشاريين والأمرأر إلى القاهرة حيث التقوا هناك بقيادة مؤتمر البجا وعرضوا عليهم تخصيص منبر خاص لقضية الشرق بعيداً عن عباءة التجمع الوطني المعارض بل قال لهم ناظر الهدندوة نريدكم في طريق الحوار ولكنكم إن فضلتم التنسيق مع الحركة الشعبية فإننا سوف نقاتلكم قبل ن تقاتلكم القوات الحكومية. هكذا انهار التنسيق العسكري وتبعه في هاوية الانهيار التنسيق السياسي فقد ذهب قادة جبهة الشرق إلى طاولة المفاوضات وتم التوقيع على وثيقة أسمرا لسلام الشرق ولا نريد في هذه المساحة القول إن هذه الاتفاقية مبرأة من كل عيب أو إن ذراعها الأكبر «صندوق التنمية» قد استوعب كل طموحات أهل الشرق في التنمية والبناء وإعادة الإعمار ولكننا فقط نريد الإشارة إلى أمر أكثر أهمية وهو قضية المسرّحين من مقاتلي جبهة الشرق الذين لم يتم استيعابهم حتى الآن حسبما أوصت وثيقة الاتفاق، ولا أجد توصيفًا دقيقًا لحال هؤلاء القوم سوى إعادة إنتاج لبضع كلمات قالها لي الأخ/ صلاح باركوين عضو المكتب القيادي لمؤتمر البجا وعضو مجلس الولايات فقد اختزل معاناتهم بالقول «ديل حق التمباك ما عندهم»! أضف إلى هذه الشريحة مجموعة أخرى من أبناء الشرق العاطلين عن العمل ممن يقضون سحابة يومهم في مقاهي كسلاوبورتسودان بجانب تنامي ظاهرة الاحتجاج على وضع حلايب، ولقد سألت بهذه المناسبة السيد/ محمدين أحمد كرار ناظر عموم البشاريين عن هذه الظاهرة فقال لي: «الشباب ما بنقدر نسيطر عليهم»، ثم أضاف: «ولكننا كقيادات مع الحل السلمي ونسعى بالتنسيق مع الجهات ذات الصلة لوضع حل نهائي لمعاناة أهلنا في حلايب خاصة وأن مصر تعيش في أجواء تدعو للتفاؤل» انتهى كلام ناظر البشاريين، فدعونا نتساءل: فهذه شريحة من المسرحين اليائسين بجانب العطالى الذين حفيت أقدامهم قبل أن يلتحق أيٌّ منهم بوظيفة تناسب مؤهله العلمي ثم هناك شباب حلايب وهذه الشرائح الثلاث ستصبح لقمة سائغة للاستهداف والابتزاز إن لم نعمل على تحصينها من الإغواء أو الانسياق وراء المكاسب المادية التي تغريهم بها بعض المنظمات التي تجوب في هذه الأيام أصقاع الشرق بحجة العمل في مجال العون الإنساني بينما تقول الحقائق إن هذه المنظمات تعمل في النشاط التبشيري لتنصير أبناء الشرق فهل يُعقل أن نقف مكتوفي الأيدي ونحن نرى التنصير يجري على قدم وساق في واحدة من أهم البوابات التي دخل منها الإسلام للسودان أم نترك لها شريحتا المسرّحين والعطالى ليكونوا وقوداً للتخريب!؟. واجبنا الوطني يُلزمنا جميعاً «وكلٌّ بمقدار» بالبحث عن حلول عاجلة لمثل هذه المشكلات حتى لا يؤتى السودان من شرقه، ولا بأس من مناشدة نخص بها اللجنة العليا للتعبئة والاستنفار التي يرأسها نائب رئيس الجمهورية حتى تنهض هذه اللجنة بالتنسيق مع قيادة جبهة الشرق وولاة الولاياتالشرقية لوضع المعالجات اللازمة لقضية المسرّحين والعطالى بما يحقق تماسك الجبهة الداخلية والعمل بعزم وإخلاص من أجل احتواء المشكلات دون الاستخفاف بحجمها فمعظم النار من مستصغر الشرر.