د. كمال أبوسن استشاري الجراحة العامة وزراعة الأعضاء، هو من أميز الأطباء السودانيين، فبعد أن هاجر إلى بلاد العم سام وتخصص في مجال زراعة الأعضاء لم يبخل على أهله ووطنه بعلمه وظل يتردد ما بين إقامته بانجلترا إلى السودان ليستفيد منه أبناء وطنه ليكون لهم البلسم الشافي في مجال زراعة الكلى، ليس هذا فحسب فقد عمل منذ أكثر من عشرة أعوام على توطين زراعة الكلى بالسودان سواء بتقديم المحاضرات أو جمع التبرعات من الخارج لتخفيف آلام مرضى الفشل الكلوي، التقيناه هنا في زاوية «حصاد الغربة» ليحكي لنا تجربته مع الاغتراب والتنقل ما بين وطنه وبلاد المهجر. كيف بدأت الاغتراب وهل خططت له؟ البداية كانت بعد التخرج مباشرة سافرت إلى السويد عام «1981م» وكانت مدة بسيطة جداً وبالصدفة وجدت نفسي مع بروفيسور مختص في زراعة الكلى وحينها قررت أن يكون هذا تخصصي، وبما أنه تخصص دقيق كان يجب أن أتخصص جراحة عامة أولاً ثم جراحة أعضاء ثانياً، وبعدها عدت للسودان لإكمال مدة الامتياز وبعدها عملت بمناطق العزازي وطابت بولاية الجزيرة وبعدها اغتربت إلى السعودية بغرض عمل الجزء الأول في تخصص الجراحة وجمع المال اللازم لإكمال التخصص وكان ذلك خلال سنة ونصف تنقلت خلالها بالرياض في مستشفى الشنيفي ومستشفى أبقيق في المنطقة الشرقية ثم مستشفى الملك فهد بالهفوف وبعدها هاجرت إلى جمهورية ايرلندا بعدها حصلت على وظيفة تدريبية هناك ومكثت فيها ثلاث سنوات حصلت فيها على زمالة كلية الجراحين الملكية بإيرلندا وأيضًا باسكتلندا وتدرجت حتى وصلت إلى درجة نائب اختصاصي وفي أوائل العام 1993م هاجرت من إيرلندا إلى بريطانيا وعملت بعدة مدن ومستشفيات وحصلت على الجزء الثالث في تخصص الجراحة منذ «1999م» وتخصصت في زراعة الأعضاء «كلى، وكبد، وبنكرياس» ومنذ ذلك التاريخ حتى الآن أعمل في وظيفة استشاري للجراحة العامة وزراعة الأعضاء. ما هو تقييمك لنظرة الحكومة والجهاز تجاه المغترب؟ الجهاز بالنسبة لي يتكون من ثلاثة أضلاع: الحكومة والجهاز والمغترب نفسه، وما لم يشارك المغترب بصورة فعالة وجادة وبشفافية في وضع سياسات الجهاز وبرامجه فلن يلبي طموحات المغترب لغيابه عن وضع السياسات، ونظرة الدولة للمغترب مثل نظرة أهل المغترب له، كلما كانت هنالك ضائقة مالية يلجأون له، لذلك اللجوء بصورة عشوائية والسياسات غير مستقرة فيجب الابتعاد عن ردود الأفعال والعمل بصورة علمية وإشراك المغترب في وضع السياسات لأن أهل مكة أدرى بشعابها. حدثنا عن تجربتك الخاصة في التنقل من السودان وإليه وهل استفاد الوطن من الخبرات المهاجرة؟ هي تجربة بها فائدة كبيرة بالنسبة لي توسِّع المدارك وتجعلك تنظر نظرة شاملة مثل نظرة الطائر عندما يطير، ينظر لكل ما هو تحته (Bird eye view) ولنعقد مقارنة: فالسفر له خمس فوائد: يوسع المدارك، ويزيد التجربة ويصقلها، وفرصة للتحرر من الثقافات السالبة، وأهم ما فيه لا مجال للفشل، فهناك منافسة مفتوحة مع كل شعوب الدنيا فلا مجال للفشل أو التراخي وتعلمك الغربة العمل بهمّة، والبلدان تصرف على الأطباء لتأهيلهم لكن نحن الجيل الذي أهّل نفسه بنفسه ولم تصرف علينا في التأهيل وشلنا هذا العبء من الحكومة في مجال التخصص وصرفت علينا دول أوربية في مجال التعليم لكن استفاد منها الوطن، لأن الأطباء يأتون بعلم غزير وآخر المستجدات في المجال الطبي وتكون تجربتهم مصقولة ومهارتهم المكتسبة عالية لاحتكاكهم بالخبرات الأجنبية. المعاناة بالنسبة للمغترب؟ الفراق أياً كان حار بالنسبة للأهل والأصحاب والبيئة التي تربيت بها والناحية الأخرى الجهد الكبير الذي تبذله لأنك تخرج من بيئة دولة في العالم الثالث وتأتي لدولة في العالم الأول، والمعاناة الأخرى في مجال اللغة والذوق والتعامل مع الناس والتأقلم، وبعدها الجو القاسي، فالبرودة والجليد كلها أشياء لم تكن في بلدك، بعدها اختلاف الثقافات والتعايش مع الثقافة الجديدة، واختلاف لونك، فيجب أن توسع أفقك فهنالك الجَهَلَة الذين تحت تأثير الخمور فإذا نُعت بأي صفة لا تريحك لا توجد طريقة غير أن تتحمل فيمكن أن تسمع الكلام الجارح، أيضاً هنالك ثقافة تربية الأبناء فيجب أن يكون تعاملك وأفقك كبيرًا فوجودهم خارج وطنهم ليس ذنبهم وإنما ذنبك فيجب أن توائم بين الثقافتين، فقد واجهت هذه المعاناة فأدخلتهم مدارس للعربي في الإجازة إضافة إلى مدارسهم لتعليم اللغة العربية والقرآن الكريم فهم يعانون عدم الإجازة لكن معاناتهم صقلتهم بالتجربة والمعرفة وجعلتهم مميزين. ما هو تأثير التحولات الاقتصادية الداخلية على المغتربين؟ المغترب دائماً متعود أن يعيش في بلد به استقرار اقتصادي وهذا ناجم عن أنهم يهاجرون إلى البلدان الغنية بالمقارنة مع بلدهم لذلك المغتربون أكثر الناس فقدانًا للقدرة على التأقلم مع الاقتصاد المتأرجح لأنهم تعودوا على الاستقرار الاقتصادي لذلك استثماراتهم عادة ما تفشل لأن الناس في السودان متعودون على التأرجح في الاقتصاد لذلك لديهم أساليب للتحايل على التعامل مع الاقتصاد المتأرجح والمغترب ليس لديه القدرة على ذلك لذلك تفشل استثماراتهم، ومن ناحية أخرى المغتربون دائماً ما يتركون استثماراتهم لأناس يعتقدون أن هذه الأموال أتت بالساهل لذلك لا يحافظون عليها.