كنت في حراك دائم للتحضير لرحلاتي المتكررة لتثبيت وإحياء برنامج زراعة الكلى في السودان وتدريب الكادر المحلي، اتصلت بي «لوسي ودونا وباري» العاملون معي بمستشفى الملكة الكيراندره، ساهم سفيرنا بلندن الدكتور حسن عابدين في منح الضيوف تأشيرات إكرامية وتبرَّع الشيخ الدكتور إبراهيم الريح بقيمة التذاكر، وتبرَّعت الخطوط الجوية السودانية بشحن المعدات والمستلزمات الطبية التي تبرعت بها المستشفى، والتي عمل بها الفريق منذ وصوله بهمة تدريباً للعاملين بمستشفى أحمد قاسم وضعاً للبرتوكولات التي تحكم إجراءات زراعة الكلى ومراجعة المرضى الزارعين في الزيارات، بهر ضيوفنا بتنافس المتبرعين لأقاربهم وهمست «دونا» في أذني، السودانيون شعب كريم لا يملكون الكثير ولكنهم يتقسمون القليل الذي يملكونه معك. كنت وما زلت حريصاً على تعريف ضيوفنا من الخواجات بتراثنا وإرثنا واتصل بي الصديق الفنان الأستاذ عبد الكريم الكابلي، استضافنا في منزله العامر بالخرطوم بحري وحدثهم عن تراثنا، وتغنى لهم بصوت شجي فطربوا له وتسامرت مع أستاذنا الموسوعة، حكى لي عن إحدى روائعه «شن اسو أنا حي الجنيت وقلت هو» نظمها بابكر مضوي ود حاج بابكر خليفة الشيخ إدريس ود الأرباب، وكان الإمام التركي يبعث بأبناء وجهاء القوم لقاهرة المعز للدراسة، وقد بعث إلى الأزهر ومكث هنالك خمس سنوات وعند وفاة والده عاد إلى السودان خليفة لوالده، ووجد محبوبته على وشك الزواج فأقنعه أصحابه بأن يتنكّر ليشهد رقصة العروس واشترطوا عليه أن ينظم قصيدة وعند خروجه طلب منهم أن يعطوه أسبوعاً فنظم شن اسو أنا الجنيت وقلت هو حي أنا المرضان شن اسو انبهم بي الراي والدليل النجوع يا ناس الفليل من هوى المو حايق قليل كيف حالي راقد مليل جمعن مفتوت الخمر عنكبوت النادي عمر صقلوا المفقول وانضمر أب محيا يخفي القمر يا نديم أرجوك كون فهيم يوت بنوح للماهن وهيم كوني نص الليل البهيم صعبهن لي صاير قهيم السلام للحم ألف كر فاق على المشنون ما عكر من عشوقا قر ما نكر ياعزول مغرم مو سكر أكرمني بعدها أستاذي الكابلي بقفشة مفادها أن أحد ضباط الشرطة كان يكثر من تأنيب أحد أفراد الشرطة وفي أحد الأيام قال الضابط للشرطي «حا نعمل ليك مجلس تأديب وحا نشيل منك شريط» فكان رد الشرطي «ما تشيلو يا جنابو أصلو شريط الكابلي»، تذكرت حينها صديقي الدكتور عمر محمود خالد قد حكى لي في ذات المرات أنه قام بإيصال الفنان زيدان إبراهيم إلى بيته وكان يجلس في كرسي العربة الأمامي لاعب كرة القدم الثعلب، فنزل الثعلب من العربة وقفل بابها بشدة، وكان وقتها زيدان نائماً في الكرسي الخلفي فصحى منزعجاً على صوت قفل الباب وسأل «الحاصل شنو»؟ فأجابه د. عمر «دا أخونا الثعلب نزل» وكان تعليق زيدان «ما كان تقول ليهو في جدادة نايمة بي ورا».