حسناً أن أقدمت القيادة على تنفيذ خطة تقضي بحسم ما يعتور الاقتصاد من ضعف وما تموج به دهاليز السياسة من هرج ومرج ولغط، فكانت النية الجادة لإعادة الهيكلة ورفع الدعم وتقليص الأجهزة الحكومية وتخفيض مخصصات الدستوريين وإنقاص أعدادهم، خطوة جديرة بالاحترام، مما جعلها تحظى بالقبول، حتى لا يفسَّر الأمر بأن التحميل يكون دائماً على الضعيف دون القوي، إنفاذاً للمبدأ القائل بأن القوي ضعيف حتى يؤخذ الحق منه، والضعيف يصير قوياً عندما يؤخذ الحق له. وعلى ذكر تلك الإجراءات الصارمة، وبحكم أننا نمسك بالقلم ونوجه اللسان نحو كلمات النصيحة، لأن الساكت عن الحق شيطان أخرس، فإننا نعوذ بالله أن نكون من الذين يعانون من داء الخرس المتصل بكتم كلمة الصدق والوفاء، وعليه فإن أي إجراء في إطار إعادة تشكيل الوزارات ومؤسسات الدولة، ينبغي أن يضع متخذوه في حسابهم أن النزوع تارة أخرى نحو إبقاء وجوه استمرت على سدة السلطة لأكثر من عشرين عاماً، سيورث مللاً، ليس كراهية في الشخص بقدر القناعة التي تولدت بأن حواء السودانية لم تعقم، وأن الذين ظلوا لفترة من الزمان طويلة يتشبثون بمواقع القيادة والريادة، قد استنفذوا أغراضهم وأعطوا كل الذي لديهم وليس بإمكانهم الإضافة إلى ما قدموه إلا إذا كانوا من ذوي الطاقات غير المحدودة والقدرات المطلقة، وذلك ضربٌ من ضروب المستحيل، أما أن يتجه الذين تقع على عاتقهم المسؤولية بفرز كيمان القدامى، ليصبح الميزان راجحاً في صالح البعض، ليظلوا في مواقعهم، ويكون خاسراً بحق آخرين، بالرغم من تساويهم جميعاً أمام المعالجات المطروحة، فإن مثل هذا الفعل لا يفسَّر إلا بأنه تطفيف في الموازين، والويل والثبور لمن يسلك هذا الطريق بنص القرآن المحكم «وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُواْ عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ». وقد سبقت هذه المرحلة، وهي أحرج مرحلة، مراحل أخرى، تهيأ الشعب فيها لحكومة جديدة تضم أرفع القيادات وأمهر الكوادر وشخصيات ملء السمع والبصر، غير أنهم أحبطوا عندما تم الإعلان، حيث ظهر في قلب الوزارة أناسٌ مجَّهم الناس، وآخرون شهد شاهد من أهلهم بأنهم ليسوا في قامة هذا الشعب، فخاض الخائضون مرة أخرى بالرغم من أنهم غرقوا في السلطة حتى آذانهم، ولا نريد لمثل هذه «العواسة» أن تتكرر مرة أخرى، ذلك لأنها مهنة قديمة لم تعد حتى النساء يمارسنها، بعد أن تقدمت الحياة وأمسكت التكنلوجيا بزمام الأمر، فأبدلتنا بأجهزة حديثة للطبخ، وصناعة الخبز، والطرق المتقدمة في إعداد وجبات الغذاء.