أُعجبتُ بمقال عميق خطّه يراع بروف محمد سعيد حربي حول الازدواجية في شأن وزارة الزراعة ومشروع النهضة الزراعية والتداخل والاشتباك في اختصاصات كلٍّ من تلكم الجهتين. أعلق على هذا الأمر بين يدي معالجات الأزمة الاقتصادية التي يُنتظر أن تقضي على حالة الترهّل التي امتلأت بها بلادُنا كما لم تمتلئ بها أية دولة في العالم وإذا كانت الحكومة تعتزم دمج بعض الوزارات ذات الاختصاصات المختلفة فمن باب أولى أن تدمج مشروع النهضة الزراعية في وزارة الزراعة وتصحِّح خطأً ما كان ينبغي أن يحدث من البداية في بلاد التخبُّط والعشوائية واختلاط الحابل بالنابل. بربِّكم أليس غريباً بحق أن ينشأ مشروعٌ للنهضة الزراعية تُرصد له مبالغ طائلة بعيداً عن وزارة الزراعة بل أليس غريباً أن يرأس المشروع الفرعي (للنهضة الزراعية) النائب الأول لرئيس الجمهورية بينما يرأس الأصل (وزارة الزراعة) وزير الزراعة؟! أفهم أن يُعهد بمشروع النهضة الزراعية أو النفرة الزراعية الذي سبقه وتوفى إلى رحمة مولاه أن يُعهد به إلى وزير دولة أو مدير لكن ذلك ينبغي أن يكون تحت الوزير الأول.. ذلك هو التسلسل الهرمي المعلوم والمعمول به في أكثر الدول تخلفاً أما عندنا في السودان فكل شيء جائز بعد أن استحدثنا تجارب إدارية جديدة وهياكل لم يشهد العالم لها مثيلاً!! إنه مصادرة لحق وزارة الزراعة ووزير الزراعة ففي بلادي هناك وزارات مستضعَفة يُنتقص حقُّها بينما هناك وزارات تعتدي على حق الوزارات الأخرى.. خذ مثلاً وزارة المالية التي لطالما رفعت شعار (ولاية المالية على المال العام) لكنها فشلت فشلاً ذريعاً باعتراف وزراء المالية جميعاً بمن فيهم البلدوزر عبد الرحيم حمدي الذي اعترف مثلاً بعجزهم عن محاربة التجنيب والزبير أحمد الحسن الذي ألغى جميع قوانين الهيئات وأبقى على قانون واحد حاكم بغرض تحقيق هدف وشعار ولاية المالية عن المال العام لكنه فشل كما فشل حمدي ولا يزال الفشل يخيِّم على الجميع بعد أن عجزوا حتى عن تخصيص الشركات الحكومية التي تكاثرت كالفطر كما عجزوا عن تمكين المراجع العام من مراجعة الوزارات القوية والهيئات المحميّة ومراكز القوى وما أدراك ما مراكز القوى!! ليست وزارة المالية أو وزارة الزراعة وحدهما اللتان يُعتدى على اختصاصاتهما فكما أن وزارة المالية عجزت عن كبح جماح التجنيب الذي يمارسه الأقوياء فإن وزارة التعليم العالي مثلاً فشلت في إنفاذ شعار: (ولاية وزارة التعليم العالي على المؤسسات التعليمية) كما فشلت وزارة الصحة في إنفاذ شعار (ولاية وزارة الصحة على المؤسسات العلاجية) بعد أن تمدَّد الأقوياء في حرمهما واعتدوا على عرضهما!! من الذي سلب الوزارات والهيئات المستضعَفة أو قل (المهمَّشة) أقول من سلبها سلطانها واختصاصاتها؟! إنها مراكز القوى من الوزارات والهيئات والأجهزة التي تشبه إلى حد كبير المجلس العسكري في مصر!! ينبغي أن تباشر وزارة الزراعة كامل الصلاحيات في الشأن الزراعي في تنسيق كامل مع وزارة الثروة الحيوانية إن كانت منفصلة عن الزراعة أما إذا كانت الثروة الحيوانية جزءاً من وزارة الزراعة فإن الأمر يبدو سهلاً وميسوراً ذلك أن التخطيط للوزارتين أو للشقين الزراعي والحيواني ينبغي أن يكون موحداً كما ينبغي أن يكون الري جزءاً لا يتجزأ من الزراعة. مشروع النهضة الزراعية ينبغي أن يكون جزءاً من واجبات وأهداف وزارة الزراعة مع ضم موازنة ذلك المشروع إلى موازنة وزارة الزراعة وعلى الأستاذ علي عثمان أن يمنح وزارة الزراعة بمشروعاتها كافة دعمه اللا محدود وأن يُيسر مهامها ذلك أن الزراعة ينبغي أن تحظى باهتمام كبير فقد أهملناها طويلاً وكثيراً خاصة بعد استخراج وإنتاج البترول. بالله عليكم أي مشروع نهضة زراعية أهم من مشروع الجزيرة الذي كنتُ أنادي من قديم أن تسخِّر الدولة ووزارة الزراعة كامل موازنتها من أجل انتشاله من وهدته وإعادة سيرته الأولى. ثمة أمر مهم وهو أن تحولات كبرى حدثت في محيطنا الإقليمي من خلال الثورات العربية في مصر وليبيا تحديداً وأخصُّ مصر التي أصبحت اليوم أقرب إلينا من حبل الوريد فمصر تحتاج إلى الغذاء وبالقطع فإن مصر تحت مرسي ستتجه نحو السودان بعد أن خرجت من سيف الفيتو الأمريكي الذي كان يمنعها من التقارب مع السودان خاصة في الشأن الزراعي. إننا نحتاج إلى العمالة الزراعية (المصرية) التي تتمتع بأخلاقيات وقيم عمل تختلف كثيراً عن تلك المتوفرة لدى مزارعينا وحبذا لو اتجهنا بقوة نحو شراكة زراعية مع الشقيقة مصر سيما وأن السودان حسب وزير الزراعة د. المتعافي يعاني من نقص في العمالة الزراعية بعد أن اتجه عددٌ كبير من أبناء السودان نحو التنقيب عن الذهب فالعمالة المصرية أقرب إلينا من أية عمالة إفريقية أخرى. أظن أن التكامل مع مصر ينبغي أن يبدأ من الزراعة وينطلق نحو بقية القضايا السياسية والاقتصادية باتجاه الوحدة المرتجاة إن شاء الله. ليت الذين يتحدثون عن العلاقة مع دولة جنوب السودان أن يكفّوا عن القفز على الحقائق الموضوعية على الأرض فالجنوب اليوم تحت حكم الحركة الشعبية عدوٌّ مبين ولا مجال للحديث عن حريات أربع أو حتى حرية واحدة فقد جاء أخيراً بقَدَرٍ من الله العزيز من هم أقرب إلينا ذمّة ورحماً.