أخي ياسر أكتب إليك وأنا أعلم أن الجميع يسمعون ما تقول، والأصدقاء بعضهم يستمعون لما تقول، والصديق الحقيقي يستمع لما لم تقل.. وهنالك الكثير من الذي لم يقل وهو يسكن وجداننا ويطوف بنا عالم الحب والإخلاص والتفاني.. أكتب إليك أخي ياسر وبيننا عهد أن نبقى على الطريق ولا نحيد.. وبيننا عهد أن يظل حبنا في الله لأن كل شيء يبلى ويفنى إلا الحب في الله .. وأنا أعلم أن حبنا في الله، لأنني أدعو لك بظهر الغيب دون أن تطلب مني ذلك، وظني أنك تفعل. إن الذي يحبك بالله وفي الله هو الذي يفيدك بعمله وعلمه وصلاحه وأدبه وأخلاقه، وهو الذي يرفع شأنك بين الناس، وتفتخر بصداقته، ولا تخجل من مصاحبته والسير معه، وتسمو قامتك به، وهو فوق ذلك من تضع رأسك على رجليه عند الخطوب وتنام آمنناً مطمئناً، كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم.. وأحسب أننا كذلك .. أكتب إليك وقد هجع الناس للنوم، وتمنعني رياح الذكريات من أن أسكن، كيف أنام وأنا أنظر لحال أمتي؟ كيف أنام وأنا أنظر من خلال شاشات «قنواتكم» للفجور والسفور؟ قنوات «حكومتكم الإسلامية» لم تحترم مشاعر عباد الله ولم تراع حرمة شهر الله.. كيف أنام وصور الشهداء أحبتي معلقة على جدران الذاكرة تهزها رياح الحنين إلى الماضي؟، وأتشبث بها مخافة أن تسقط عن ذاكرتي فأعود لدنياكم تلك.. ويا ويح روحي إن فعلت، ووا حسرتاه إن أنا رجعت لعالم يُحترم فيه الرويبضة ويجالس كبار القوم ويعامل معاملة الملوك.. أرجو منك أخي ياسر أن تبلغ عني هذه الرسالة الصغيرة «لحكامكم» من تظنون فيهم خيراً، قل لهم «تقابلوا مع أنفسكم ساعة واحدة في اليوم، واسألوها هل هي راضية عما تقومون به، وحينما تخلون بأنفسكم في مكان ليس فيه على جسدكم شيء يستره.. تذكرو اليوم الذي تقفون فيه بمثل هذه الهيئة أمام الله تعالى ماذا ستقولون له ؟!!» أكتب إليك أخي ياسر لأنني أعلم أن الصديق الحقيقي تجده حين يغيب عنك كل الناس وتفتقد الخل الوفي.. معي في غربتي كثير لكنهم ليسوا بطعمكم ورائحتكم وليس لكلماتهم ذلك الدفء والأناقة، وليس لمشاعرهم ذلك الصدق والنبل.. أخي ياسر الحق بنا فاراً بدينك، فالأرض لم تعد هي الأرض، ولا بلادنا هي بلادنا، وليس القوم هم القوم، كأنهم قريش، والحق مرماه قد طاش. في الختام أخي ياسر سأتركك مع هذه القصة الجميلة لأحد إخوتنا ممن تعرفهم. لم يدر بخلدي أن الله سيختارني لمرافقة قوم يحبهم ويجعلني في معيتهم.. ويا لها من صحبة ويا لها من أحداث.. أيام جميلة قضيتها بصحبة أولئك القوم وما أحلاها من أيام وما أجملها من ذكريات تجعل القلب يتلفت إليها حنيناً وشوقاً وأملاً في أن تعود، تعالوا لأحدثكم عن مشاهد لم تلتقطها كاميرا لتُنتج فيلماً، وإن كانت أحداثها تفوق روعة الأفلام الصادقة .. أحداث أبطالها قوم من بني بلدي السودان.. إنهم قوم يوفونُ بالعهدِ إذا عاهدوا، ولقد عاهدو الله وعهد الله أحق أن ينفذ.. إنهم أطوع قوم لمُرشِدهم.. مطاياهم العقل والمشورة.. ضالتهم الحكمة أينما وجدوها اخذوا بها وإن كانت على رؤوس السنان وبين زناد البندقية وطلقتها.. إنهم قوم لو حاولوا الجبالَ لهدوهَا.. إنهم من يخطفون البصر ويخطفون الروح التي أراد الله لها أن تذهب.. إنهم قوم أرسلهم الله إلى أعدائه «يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ» إنهم البرق الخاطف. والأحداث تتسارع وتيرتها عند «هجليج» ويتدافع الجميع نحو معسكرات الدفاع الشعبي للحاق بالمجاهدين.. وكتائب القوات الخاصة بالدفاع الشعبي تجمع أفرادها وترتب حالها وترسل أبناءها زمراً إلى ساحات الفداء، وتذهب الكتائب إلى هجليج وفي مقدمتها كتيبة أنصار الله، ويتخلف عن اللحاق بها أصحاب الأعذار الشرعية، ويتم إدخال المتأخرين منهم إلى المعسكرات.. وكتيبة البرق الخاطف تجمع أبناءها لتلحقهم بمقدمتها في هجليج، وكتيبة جنود الحق وباقي الكتائب والطلاب يتدافعون نحو المعسكرات، لنظل نحن خارج المشهد نسترق السمع والنظر عبر الفضائيات والتلفاز إلى الأحداث وأخبار الرجال.. ويأتي الخبر تحمله سماعة الهاتف.. تم دحر الأعداء من هجليج، نذهب مثل الجميع إلى الاحتفال وننجرف وسط سيل من البشر عند الساحة الخضراء، وينشد المنشد «قرشي الطيب» وتعود بنا الذكرى إلى أيام مضت ومضى معها أجمل الناس وأحبهم وأصدقهم.. رجال أحبوا الله فأحبهم الله ليختارهم إلى جواره .. وتسوقنا الذكريات بعيداً خلف الأحداث أيام الصبا حين كان الشيخ يخاطب القوم ويحثهم على الجهاد.. وتمر بالخاطر أيام استشهاد الزبير والشهيد شمس الدين يقف بين يدي الشيخ وهو إمام الناس للصلاة .. ونردد الآية: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ٭ إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ٭ وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ».. «يتبع»