حالة السيولة المحيرة التي يمر بها حزب الأمة القومي في هذه المرحلة الدقيقة التي تمر بها البلاد، والتي ليست هي بمنأى عن مؤثرات الربيع العربي تعيد ذكرى أحوال الاتحادي «الأصل» في علاقته المتذبذبة مع تحالف المعارضة والحكومة، إلى أن استقر في ركاب سفينة الحكومة العريضة رغم معارضة طرف من قياداته للخطوة، فحزب الأمة الذي سمح بخروج المظاهرات الداعية لإسقاط النظام قبل رمضان الماضي من مسجد الأنصار بود نوباوي عاد ليشجبها بقوة عبر رئيس هيئة الأنصار محمود أبو لتنتقد رئيسة المكتب السياسي سارة حديثه ذاك، وبالرغم أن اتفاقه الذي عقده مع العدل والمساواة العام لم تتأتِ منه أية نتائج تذكر، جدد الحزب الكرة عبر مذكرة التفاهم التي وقّعتها القيادية بالحزب مريم الصادق مع حركة مناوي بالعاصمة اليوغندية كمبالا في الأسبوع الأول من أغسطس الفائت.. تلك التي أغضبت الوطني للحد الذي نعت مريم بالمتمردة، وفي سياق التناقضات ذاتها وبعد سكوته دهرًا على تحالف نائبه نصر الدين مع الجبهة الثورية للتخلص من النظام الحاكم قسرًا صرح المهدي مؤخرًا بأنهم أخبروا نصر الدين أن وجوده إلى جانب التحالف لا يمثل مؤسسات الحزب، وأن عليه أن ينسحب منه ليجيء رد الأخير برفض تلك التوجيهات التي تفسرها بأنها تصُب في صالح تفاهمات الأمة مع الوطني.. تشير التكهنات إلى أن المهدي الذي ضمن وجوده عبر ابنه عبد الرحمن في القصر يسعي لتشكيل وجوده في الضفة الأخرى من النهر أي المعارضة المسلحة خاصة أن وجود ابن عمه نصر الدين هناك سيلقي بتبعاته المتمثلة في خروج آل الصادق من المشهد السياسي متى ما دارت عجلة الأحداث لصالح الجبهة ليحل محله آل الهادي، خيارات المهدي غير الواضحة حيال الحكومة يفسرها بالجهاد المدني مرة والثورات السلمية تارة أخرى، وفي أحدث إفاداته في حواره مع الغراء «السوداني» أفاد بأن رؤيتهم هي الضغط على النظام لإسقاطه شريطة توفر البديل الذي يحل محله، ونفى أن يكون الخيار العسكري من وسائل الضغط التي سيلجأون لها باعتبارها ستفرض حلاً اقصائيًا، وفيما يلي الجبهة الثورية دعاهم للرهان على الحل السياسي مشيرًا إلى نهج العنف مع النظام نتيجته الحرب مستحدثًا خارطة «الخطة ب» ومضمونها الاتفاق على يوم معين اسماه «مولد السودان» تملأ فيه القوى السياسية السوح العامة طلبًا لتغيير الحكم سلميًا، هذا المقترح يقود بدوره للتساؤل عما إذا كانت قوى تحالف المعارضة وفي مقدمتها الشيوعي والشعبي ستوافق على هذه الخطة رغم أن صلاتها بالأمة عبر التحالف ليست على ما يرام فبرغم أن الشعبي أعلن رفضه للتغيير بواسطة الانقلاب العسكري حتى ولو جاء عبر الوطني نفسه إلا أن له تصريحات سابقة دعت المواطنين للتضحية بالدماء لتغيير النظام. خبير الدراسات الإستراتيجية اللواء «م» محمد العباس الأمين تنبأ بفشل هذه الخطة باعتبار أن أحزاب المعارضة تفتقر للتنظيم، كما أن كوادرها الحزبية غير فاعلة، وقال في حديثه ل «الإنتباهة»: إن الخطة «ب» لا تعدو أن تكون مجرد تنظير لا أكثر، وبشأن علاقة الحزب تلقاء الحكومة والمعارضة المسلحة دمغ العباس خطوات الحزب بأنها لا تشتمل على تخطيط إستراتيجي حيال القضايا التي تواجه البلاد حاليًا.. وقال إن الحزب يتنصّل من الاتفاقات التي يعقدها مع المعارضة سواء المسلحة أو غيرها كالعدل والمساواة، فلو أدار تلك الاتفاقات بصورة سليمة لأفضت للحلول المرجوة ولأعلت كعب الأمة بوصفه حزبًا رائدًا ومؤثرًا.. وتمنى لو أن الأخير رتب علاقته مع الوطني في الإطار القومي الذي يصب في إطار التماسك الوطني، وترك أمر التعيينات والأنصبة الوزارية لمرحلة قادمة، وخص العباس بالذكر قضية السلاح الذي تجري محاولات الدفع به للخرطوم على قدم وساق، وحذّر البعض من قعقعة السلاح بالخرطوم ستفضي بالبلاد إلى حال أسوأ بكثير مما عليه الحال في العراق والصومال وأفغانستان.. فالقبائل التي تختلف على الكثير من القضايا ستعمد للسلاح كوسيلة للحل.. والذي بدوره سيخلف مرارات ليس من السهولة بمكان تجاوزها. وبالعودة لأحاديث المهدي الصحفية والتي قال فيها إنه سيطلب من ابنه التنحي حال أنه لم يستطع العمل على حل الأزمات التي تواجهها البلاد نجدها تصطدم بمن يفندها بالقول إن انتساب عبد الرحمن للقصر جاء بصفقة قوامها أن يضطلع الأمة بمهمة تخزيل المعارضة حتى لا تهب في وجه النظام بقوة موحدة.. تبقى الإشارة لمؤتمر السلام والتحول الديمقراطي الذي لم يحدد له الأمة موعدًا هل هو مدرج ضمن الخطة «ب» أم أنها تجاوزته قبل أن يكتمل.