تعوّد أهل كردفان الانشغال بالسياسة والتعاطي معها حد السُّكر في مواسم الانتخابات، وعادة ما تكون الحملات والدعاية الانتخابية حادة وحامية الوطيس وتُستخدم فيها كل الأسلحة اللفظية والشعارات والألقاب الخاصة بالمرشح ورمزه الانتخابي حيث ينتهي تأثير ذلك والتفاعل معه بانتهاء الموسم الانتخابي ما عدا الأسماء والشعارات فتظل خالدة ومحفورة في ذاكرتهم لأجيال عديدة يتداولونها بمساحة خاطر دون احتكاكات، ولم يُعرف عن أهل كردفان أن تعاطوا السياسة بكثافة لأن الخريف موسم للنشاط الزراعي والرعوي، غير أن رئيس حزب المؤتمر السوداني إبراهيم الشيخ قد أراد أن يكسر المألوف ويشغل أهل كردفان هذه الأيام بنشاط سياسي محموم قصد به أطراف وعمق شمال كردفان حيث «القطاع» «المخلخل» وهو الذي دفع هذا الرجل لتكثيف نشاطه السياسي في هذه المنطقة لإحساسه بالفراغ والضعف السياسي!! إبراهيم الشيخ الرجل الرابع في كيان ما يسمى بتجمع جوبا الفصيل السياسي للجبهة الثورية يمارس نشاطه السياسي في هذه المنطقة بإصرار شديد وأجندة لم تتضح بعد، وما يُنفقه من أموال للحملات وباستمرار إذا قورن بالنتائج يجعل أي شخص يترك كل شيء ويعمل بهمة على تتبع مسار حركة الرجل وحزبه المغمور وصاحب الصوت العالي حتى يصل إلى النهايات التي يقصدها!! قبل عدة أشهر نظم هذا الرجل حملة سياسية واسعة في ذات المنطقة وبعد الفراغ منها مباشرة كانت الحملة العسكرية الواسعة لحركة العدل والمساواة التي قُتل فيها زعيم الحركة خليل إبراهيم في منطقة ود بحر بشمال كردفان، واليوم لم يتوقف إبراهيم الشيخ ولم يذهب إلى منطقة أو ولاية أخرى من السودان العريض الذي يطلق عليه اسم حزبه «المؤتمر السوداني» ليمارس نشاطه السياسي الأمر الذي يدعو إلى التساؤل حول إصراره على منطقة بعينها!! وهل للرجل أدوار سياسية محددة يعمل على تنفيذها؟!! الخطير في نشاط حزب المؤتمر السوداني وزعيمه إبراهيم الشيخ هو البناء والتنظيم مستنداً إلى قواعد حزب الأمة القومي وقياداته التي كانت في يوم ما قد والت المؤتمر الوطني وانتظمت صفّه لكنها اليوم بعضها أعلن خروجه والبعض يقف على خط التماس. إبراهيم في حملته اتكأ على «مغابين» المؤتمر الوطني أو «المغاضبين» الذين ابتعدوا بعد تعرجات الدروب وعدم التفاعل مع طرح الإصلاح، هذه حقيقة لا بد منها لأن في تلك البقاع ملّ الناس تكرار الشخصيات وتكلس الأفكار مما أدى إلى تراجع النشاط السياسي وتمزيق رداء التنظيم بسبب فرض «المكروهين» من الشخصيات على قيادة دفة العمل!! حملة إبراهيم الشيخ هذه المرة بدأها بالنهود ثم ود بندة مروراً بإدارياتها كافة وقراها الكبرى ومسيرته ماضية غبيش والأضية والمجرور وحتى الآن لم يشاركه أحد ولم يقف أحد لدحض اتهاماته وإساءاته السياسية بل اختفى وهرب كل القيادات المحلية من الأنظار وتُركت له الساحة يتضرع وحده، كان المأمول أن يشهد هذا النشاط قيادات الأحزاب بمن فيهم معتمدو المحليات الذين هم رؤساء المؤتمر الوطني بمحلياتهم يحضرون النشاط ويديرون معه نشاطًا شفافًا وحرًا دون «جعجعة» وإخفاء الحقائق!! في كل منطقة استطاع حزب المؤتمر السوداني فتح مكتب وإسناد مهمته لكادر تاريخي إما كان حزب أمة أو مؤتمر وطني، فلم يصنع كادراً جديداً ويضيف شيئاً على الساحة لكنه استفاد من ملاحظات وعيوب هذه التنظيمات وصراعاتها ونهب «قياداتها» نهاراً جهاراً وعبر هذه القيادات والرموز سيتمكن من قواعدها نهاراً جهاراً. نائب برلماني وقيادي في المؤتمر الوطني هرب من مواجهة رجل اسمه إبراهيم الشيخ رئيس حزب المؤتمر السوداني الحزب الذي يحمله هذا الرجل في شنطته، يُسمع صوته ولا تُعرف جهته، حزب ليس له لون ولا رائحة لكنه يخيف الضعفاء هناك مما يحتم أخذ تحذيراتنا بألف جدية بدلاً من الاعتماد على التقارير الظلماء!! القيادي هرب من قريته حتى لا يُحسب الحشد الجماهيري والتفاعل الكبير لرئيس حزب المؤتمر السوداني عليه، وفيما بعد علمت أن قرية البرلماني قد خرجت بخيولها وجمالها وجحافلها لاستقبال الثائر «ود الشيخ» بالله شوف؟!! إبراهيم الشيخ وُلد في النهود وتربى في ربوع دار حمر لكنه للأسف لم يعرف شيئاً عن معاناة دار حمر إلا بعد أن أصبح سياسياً يطلب الكرسي الوثير فأراد أن يجلس عليه محمولاً على أكتاف البسطاء في تلك الديار، كنتُ أحترمه جداً إذا كان يخدم أهله لوجه الله بحفر آبار الدوانكي وينشئ المدارس والمستشفيات لكن كل ما يفعله اليوم هو نفاق سياسي ليس إلا ولا علاقة له بالبر والإحسان، كل الموضوع أنه ينفق كي يكسب أصواتًا ومواقف سياسية!! كردفان الكبرى الفيها يكفيها ولا تحتمل اضطرابًا بعد الذي يجري في جنوب كردفان التي تعيش حالة توترات وفتق كبير، وأخشى أن تنتقل العدوى إلى شمال كردفان على حين غفلة لأن تحت ظلال التبلدي الوارفة هناك من يبشر بالحرب وينادي بإشعال النار في ما تبقى من نضرة من خلال التلاعب بوجدان الناس وإثارتهم، فيجب قراءة ما يدور هناك بعيون وعقول مفتوحة لا بعاطفة وإرادة مهزوزة وقطع الطريق أمام نافخي الكير بحل مشكلات المنطقة في معادلة السلطة والتنمية والعدالة حتى لا يتاجر بها أصحاب الغرض والمرض!!