منذ أن أبحرت سفينتنا في بحار الغربة لسبر غورها والاقتراب من شواطئ كل مغترب سوداني بحثًا عن معالجات لقضايا ومشكلات بالغة التعقيد ظلت ترمي بظلال كثيفة وترسم حالة من اليأس والإحباط لتشكل واقعًا استثنائيًا عانت منه شريحة المغتربين كثيرًا منذ أكثر من ثلاثة أشهر تاريخ عبور «الإنتباهة» لمياه البحر الأحمر للتعايش مع شريحة المغتربين في مهاجرهم بالمملكة العربية السعودية.. وكنت ألحظ حركة الانفعال وطبيعة الأنشطة التي تشكل تعاطي هذه الشريحة مع محيطهم وذواتهم وكيف أنهم يمارسون فضيلة الوفاء والعطاء لنفر ما زالوا قابضين على الجمر.. تأملت كثيرًا وسألت نفسي من هم أكثر السودانيين في المهجر تربطهم الوشائج ويجزلون العطاء لمناطقهم وأوطانهم الصغيرة .. حصيلة هذا التأمل قادتني إلى حقائق ومعطيات ماثلة ..وأنا هنا لست في مقام تقييم عطاء كل سوداني في مهجره.. ولكني بصدق ومن خلال المتابعات والفهم العام تولدت لديّ قناعة راسخة بأن أبناء ولاية الجزيرة في المهجر أو بالأخص في السعودية هم حسب ظني الأقل عطاءً والأكثر غيابًا عن أدوار أساسية كان ينبغي القيام بها تجاه مناطقهم، وأتمنى أن يكون هذا الظن في غير محله.. ولكن سأظل على هذا الاعتقاد إلى حين أن تكذبني الحقائق والأرقام والشواهد. تمنيتُ كثيرًا لو أن أبناء الجزيرة في المهجر يتعاطون بشكل موجب يكافئ حجم النواقص والمطالب التي تحتاج إليها كل قرية من قرى الجزيرة.. مشكلات عصية على قدرات مواطنين.. حفيت أقدامهم في سكة مطالبهم المؤجلة بأمر السلطة والحاكم والتنظيم.. وقري بأكملها باتت موبوءة بأمراض النزيف المعوي وسينتظر أهل هذه القرى كثيرًا لو أنهم عقدوا آمالهم على حكومة هي في الأصل منشغلة بتصفية حساباتها السياسية ونزاعاتها الداخلية. فمتى يفيق أبناء الجزيرة بالمملكة ويخرجون من حالة البيات فالآخرون حاولوا ويحاولون الآن وضع بصماتهم في واقع الحياة لدى أهلهم.. والحقيقة التي يجب أن تُعطى القدر الأوفر من الاهتمام.. أن ركازة أهل الجزيرة وهي مشروع الجزيرة انهارت قواه وبات نسيًا منسيًا وحقلاً للتجارب الفاشلة والسياسات المتضاربة ومسرحًا للعبة السياسة.. ولكن للأسف الشديد أهل الوجعة يجيدون فضيلة الصمت والبكاء والنحيب.. والحكومة المركزية غير قادرة على فعل شيء بل يبدو أنها غير راغبة في تحريك سياساتها لإصلاح ما يمكن إصلاحه فهذه رسالة أبعثها بكل صدق لكل من تجري في دمائه حمية الانتماء للوطن الصغير، وأهمس هنا في أذن أهلي بالجزيرة بالمملكة خاصة بأنكم الأمل والمرتجى فأعيدوا تحريك الحياة هناك وأخرجوها من سكونها وإحباطاتها!