لدي اعتقاد راسخ رسوخ الجبال الشوامخ بأن السودانيين خارج حدود الوطن ترتفع وتسمو عندهم درجة الاحساس بالوطن اكثر منا نحن الذين بالداخل، وهذا أمر طبيعي ومنطق مقبول له مبرراته، فالذين داخل الحوش السوداني العريض يتحملون كل العذابات ويدفعون كل الفواتير المرهقة بالدماء والدموع، ويتحملون كذلك إخفاقات الآخرين وفشلهم، ويحاولون التكيف مع مناخات ومتغيرات داخلية، فعندما يشتد الضغط الاقتصادي أو تتعقد الحسابات المالية والمعيشية ترجع الأسر السودانية إلى تقاليدها القديمة، وربما تتنازل عن بعض قيمها لتقف على حافة الخط الفاصل بين الكفاف ودونه.. تقاليد لا تكلف هذه الأسر من الحسابات ما يقودها إلى إلحاق الهزيمة بميزانياتها الخاصة. فالإحساس بالوطن ما عاد قيمة فطرية أو فضيلة تاريخية غير قابلة للانهيار، ولكن هذا الإحساس ولجت إلى محيطه متغيرات عديدة، فأصبح كما السلعة يُباع ويشترى، يتأثر ويتأسس على واقع سياسي واقتصادي واجتماعي له إسقاطات واضحة على عموم اهل السودان، ودفع الكثيرين منهم إلى حالة أشبه بالانكفاء في حدود دائرة صغيرة ربما لا تتجاوز نطاق الأسرة الممتدة أو حتى الأسرة الصغيرة.. هكذا هو حال أولئك الذين حكمت عليهم الأقدار بأن يكونوا تحت مظلة الداخل. ولهذا فإن الإحساس بالوطن بات قيمة تتنازعها كثير من الأهواء والمزاجات والظروف والمعطيات، في ظل سباق سياسي متعدد المحاور والمسارات يشكل طبيعة المسرح العام في السودان. إلا أن الذي يبعث فينا قدراً من الأمل والتفاؤل أولئك المغتربون الذين مازال إحساسهم بالوطن على درجة عالية من الصحة والعافية، فهم يتفاعلون ويستجيبون لكل النداءات خاصة تلك التي تتخذ الطابع القومي والهوية الجامعة.. فهم سودانيون يترافعون عن سودانهم هناك بالمهجر.. ويحفظون حقه كاملاً.. حدوده وكرامته. ويشعرون بالأسى والحزن والإهانة حينما تتراجع اهتمامات أهل الداخل بقضايا أهل المهجر.. هذا هو الإحساس الذي أدركنا حقيقته ونحن ندخل تجربة توزيع «الإنتباهة» بالمملكة العربية السعودية.. درجة عالية من الاهتمام بهذا «الوريقات» التي تكتب بمزاج ومعاناة المغتربين أو هكذا ندعي، ولكن هؤلاء المغتربين يغضبون بلطف حينما يتوهمون أننا لا نهتم بما يأتينا منهم من مداد يحمل بين أسطره وثناياه قضاياهم وأشواقهم ونبض قلوبهم، ولكننا نقول لهم حاشا وكلا.. وإننا لن نكون كذلك، وسنعطي كل حرف يأتينا منكم حيزه ومعناه كاملاً، طالما أنه يخدم القضية الكلية لكل سوداني هجر البلد.. فاكتبوا إلينا فنحن معكم وبكم وإليكم لنبني جسوراً ممتدة نعلي بها شأن الوطن والإحساس به بالقدر الذي يخفف وطأة الهجرة والحرمان.. فكونوا لي يقين بأننا لن نهمل حرفاً واحداً يصلنا.. وسلة المهملات لدينا فارغة وستظل، وعنواننا معكم عبر نافذة المهاجر.. ودمتم ودام عطاؤكم «ويبقى الوطن». طيات السحاب..إبراهيم أرقي كان لا بد لي أن أزور دار جمعية أبناء أرقي بالرياض خاصة وأنها من الجمعيات القديمة وقد سمعت عنها كثيراً وكنت شاهدًا على أعمال الخير الكثيرة التي يقومون بها في قريتنا الحبيبة أرقي وكيف أن هذه الجمعية أسهمت اجتماعيًا في دعم كثير من الأسر المحتاجة شأنها شأن كل روابط الشمالية والسودان عامة وقد كنت أسمع بأن كشف المغتربين جاء وعلمت بأن هناك أموالاً يتم جمعها من أبناء أرقي المغترين ويقوموا بإعداد كشف بأسماء المحتاجين وتوزع لهم وقد شهدت كيف أن الأكف ترتفع عاليًا تدعو لهم بالتوفيق. ومن الصدف عند زيارتي للرابطة وجدت أن عمل الخير لا يزال يمشي على قدمين بين أبناء الجمعية وعلمت كذلك أنهم جمعوا أكثر من خمسة ملايين جنيه لمساعدة أحد المرضى من أبناء القرية فهذا عمل إنساني نبيل، وهو نموذج لأعمال خيرية كبيرة وكثيرة تقوم بها هذه الجمعيات لمساعدة الأهل في السودان فهؤلاء يستحقون التحية والاحترام والتقدير. أعود للجمعيات وأقول: بالرغم من الفعل الإيجابي العظيم لهذه الجمعيات إلا أن هناك بعض السلبيات التي تصاحب عمل هذه الجمعيات وهي أن بعض الشباب اتخذوها ملجأ لهم للنوم وعدم الجدية في البحث عن عمل خاصة أولئك الذين يحضرون هنا بإقامات حُرة ولا يوفقون وهذه تشكل عبئًا ماديًا على العاملين فيقومون بكفالة هؤلاء العاطلين عن العمل ويدفعون عنهم تكاليف السكن والإعاشة. كما أنني لاحظت أن أبناء هذه الجمعيات لا يسعون إلى تطوير أنفسهم ويقضون معظم أوقاتهم في لعب الورق ومشاهدة التلفزيون والملهيات الأخرى وكان يمكن أن يكون لهم دور إيجابي أكبر بجانب العمل الاجتماعي العظيم الذي يقومون به وذلك بالمساهمة بالرأي في كثير من منتديات هذه القرى في الإنترنت على أن تكون هناك مشاركة فاعلة كما يمكن لهذه الروابط أن تنشئ مكتبة مصغرة فيها مجموعة من الكتب الثقافية والأدبية متاحة لأبناء الجمعية.. هذه بعض الأشياء البسيطة يمكنها كسر الروتين والفراغ الممل والذي استشرى في كل الجمعيات السودانية.