داعية ومحاضر جامعي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: »مَا مِنْ أَيَّامٍ العَمَلُ الصَّالِحُ فِيهِنَّ أَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ العَشْرِ«، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَلاَ الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: »وَلاَ الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ، إِلاَّ رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ« رواه البخاري والترمذي. »ندب الحديث إلى العمل الصالح مطلقاً في هذه الأيام . وقد كان سعيد بن جبير رحمه الله إذا دخلت العشر اجتهد اجتهادًا حتى ما يكاد يقدر عليه. أخرجه الدارمي. ومن الوظائف التي ينبغي العناية بها : 1/ الحج ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : »مَنْ حَجَّ لِلَّهِ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ« متفق عليه. 2/ العمرة . فقد شرع النبي صلى الله عليه وسلم العمرة في أشهر الحج مخالفاً بذلك المشركين القائلين :« إذا عفا الوبر، وبرأ الدبر، ودخل صفر، فقد حلت العمرة لمن اعتمر« ! فأعمر عائشة في أشهر الحج، وندب أصحابه إلى التمتع الذي يأتي فيه الإنسان بعمرة في أشهر الحج، وقرن في حجه بينه وبين العمرة، واعتمر أربع مرات كلهنّ في أشهر الحج . 3/ الاعتناء بالفرائض ؛ إذ لا أحب إلى الله منها ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: »إِنَّ اللَّهَ قَالَ : مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ . وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا ، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا ، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ ، وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ« رواه البخاري. 4/ ومنها كثرة النوافل للحديث السابق، من تلاوة القرآن، والتنفُّل بالصلاة، وإدامة الذكر، والصلة، والصدقة، وإعانة المحتاج، وهذا باب لا يُحصى أفراده ولله الحمد . وفي الإكثار من النافلة فوائد جمة، منها : تزكية النفس. يُجبر خلل الفريضة بها. نيل محبة الله تعالى . 5/ كثرة الذكر ؛ لقول الله تعالى : وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ . قال ابن رجب :« و أما استحباب الإكثار من الذكر فيها في أيام العشر - فقد دلَّ عليه قول الله عز و جل:وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ ، فإن الأيام المعلومات هي أيام العشر عند جمهور العلماء« [اللطائف ، ص (289)] وقال النووي رحمه الله : »واعلم أنه يُستحبُّ الإِكثار من الأذكار في هذا العشر زيادةً على غيره، ويُستحب من ذلك في يوم عرفة أكثر من باقي العشر« [الأذكار ، ص (389)]. ومنه التكبير والتهليل والتحميد ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم :(( مَا مِنْ أَيَّامٍ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ وَلَا أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ الْعَمَلِ فِيهِنَّ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَشْرِ ، فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ مِنْ التَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّحْمِيدِ)) رواه أحمد. قال البخاري رحمه الله في صحيحه :« كان ابن عمر وأبو هريرة يخرجان إلى السوق في أيام العشر يكبران ويكبر الناسُ بتكبيرهما«. وعن يزيد بن أبي زياد قال: رأيت سعيد بن جبير وعبد الرحمن بن أبي ليلى ومجاهدًا أو اثنين من هؤلاء الثلاثة ومن رأينا من فقهاء الناس يقولون في أيام العشر: الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد« [أخرجه الفريابي في أحكام العيدين (ص 119)]. وعن ميمون بن مهران قال: أدركت الناس وإنهم ليكبرون في العشر حتى كنت أشبهه بالأمواج من كثرتها، ويقول: إن الناس قد نقصوا في تركهم التكبير« [أخرجه أبو بكر المروزي في العيدين، كما في فتح الباري لابن رجب (9/9)]. وينبغي الجهرُ به؛ إحياءً للسنة، وتذكيراً للغافل. والتكبير فيها قسمان : مطلق ، ويكون في العشر كلها . مقيد بدبر الصلاة المكتوبة والنافلة، وأصحُّ ما ورد في وصفِ وقت التكبير المقيّد ما ورَد مِن قولِ عليّ وابن عبّاس رضي الله عنهما أنّه مِن صُبح يومِ عرفة إلى العصرِ من آخر أيّام التشريق. أخرجه ابن أبي شيبة. وأمّا للحاجّ فيبدأ التكبيرُ المقيّد عقِب صلاةِ الظهر من يوم النحر. وأصحُّ ما ورد في صيغِ التكبير ما أخرجَه عبد الرزاق بسندٍ صحيح عن سلمان رضي الله عنه قال: (كبّروا الله: الله أكبر الله أكبر الله أكبر كبيرًا)، وصحّ عن عمر وابن مسعود رضي الله عنهما صيغة: (الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد). 6/ : صيام التسع ، فمن غُلب أخذ منها ما يُطيقه ، فعن هُنَيْدَةَ بْنِ خَالِدٍ عَنْ امْرَأَتِهِ قَالَتْ : »حَدَّثَتْنِي بَعْضُ نِسَاءِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ ، وَتِسْعًا مِنْ ذِي الْحِجَّةِ ، وَثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ الشَّهْرِ« رواه أحمد. ولا يُشوِّشُ على هذا قول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها :« مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَائِمًا فِي الْعَشْرِ قَطُّ«رواه مسلم. قال ابنُ القيّم رحمه الله بعد أن أوردَ هذه المسألةَ: »والمثبِت مقدَّمٌ على النّافي إن صحّ« [زاد المعاد (2/66)] ، ويقول النووي مزيلاً هذا الإشكال :« قول عائشة : ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صائماً في العشر قط . وفي رواية : لم يصم العشر . قال العلماء : هذا الحديث مما يوهم كراهة صوم العشر ، والمراد بالعشر هنا الأيام التسعة من أول ذي الحجة ، قالوا : وهذا مما يتأول ، فليس في صوم هذه التسعة كراهة، بل هي مستحبة استحباباً شديداً ، لاسيما التاسع منها وهو يوم عرفة ، وقد سبقت الأحاديث في فضله ... فيتأول قولها :«لم يصم العشر » أنه لم يصمه لعارض مرض أو سفر أو غيرهما ، أو أنها لم تره صائماً فيه ، ولا يلزم من ذلك عدم صيامه في نفس الأمر . ويدل على هذا التأويل حديث هُنَيْدَة بنِ خالد عن امرأته عن بعض أزواج النبيصلى الله عليه وسلم قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم تسع ذي الحجة ، ويوم عاشوراء، وثلاثة أيام من كلِّ شهر« [شرح مسلم (8/71-72)]. وربما صامها النبي صلى الله عليه وسلم ثم ترك صيامها خشية أن تفرض كما ترك الاجتماع في صلاة الليل في رمضان لذات العلة، فأخبرت كل واحدة بما رأته من حاله صلى الله عليه وسلم . وإذا غُلب الإنسان فلا أقل من صوم يوم عرفة لغير الحاج، لقول نبينا صلى الله عليه وسلم: (( صيام يوم عرفة، أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله، والسنة التي بعده)) رواه مسلم. 7/ قيام ليلها ، فقد استحبه الشافعي وغيره ، وقال سعيد بن جبير :« لا تطفئوا سرجكم ليالي العشر«. 8/ ومن آكد الأمور في هذه العشر البعد الشديد عن طريق المعصية وسبيل السيئة . فقد قال بعض أهل العلم بمضاعفة السيئة في الأشهر الحرم، وهي رجب، وذو القعدة وذو الحجة وشهر الله المحرم، قال الله تعالى:إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ}. 9/ دعاء يوم عرفة . فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيُّون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير)) رواه الترمذي. قال ابن عبد البر: »وفيه من الفقه أن دعاء يوم عرفة أفضل من غيره، وفي ذلك دليل على فضل يوم عرفة على غيره،... وفي الحديث أيضًا دليل على أن دعاء يوم عرفة مجاب كله في الأغلب« [التمهيد (6/41)]. 10/ الأضحية. والأضحية من خير القربات في يوم العيد، واختلف العلماء في حكمها، والصحيح أنها سنة مؤكدة للقادر، والله أعلم. 11/ صلاة العيد. اللهم أعنّا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك. --- المصدر شبكة المشكاة الإسلامية http://meshkat.net