الشاعر صلاح أحمد إبراهيم والشاعر محمد عبد الرحمن شيبون كانا صديقين حميمين. جمعتهما السياسة والفكر والادب والثورة ضد الحزب الشيوعي السوداني. حيث ثارا ضده وكشفا بشجاعة سوءاته للعالمين. إلتقيا بحنتوب الثانوية وهما في أكثر حالات الاندفاع نحو مجتمع المثالية والاشتراكية بشعاراتها البراقة. جمعت بينهما حالة الإبداع الثقافي بل والكتابة بالصحف في سنوات مبكرة. بحنتوب الثانوية كان لهما القدح المعلى في تأسيس أول خلية شيوعية بمدرسة ثانوية كانت تضحيتهما من أجل الحزب من تضحيات الكبار في عالم التقيد بالمثل والسير في طريق مبادئ الفكرة الشيوعية. فكانت حالة فصلهما من المدرسة وهما بالسنة الثالثة اتجه الإثنان نحو عالم التدريس وتحديداً مادتي الإنجليزي والأدب الإنجليزي كذلك. اتجه صلاح نحو التفكير في الجلوس لامتحان الدخول للجامعة تجليب «من الخارج» أي من غير الحضور للمدرسة فدلف نحو كلية الخرطوم الجامعية «جامعة الخرطوم» أما شيبون فقد أُرغم على التفرغ للحزب كعضو متفرغ. وهي الفترة التي تكشفت له فيها عدم مقدرة الأعضاء الشيوعيين على استيعاب ما يقوم به من تضحيات إضافة إلى المضايقات الحزبية التي تلخصت في مراقبته وسؤاله عن كل صغيرة وكبيرة في حياته ضاق الاثنان ذرعاً بالحزب «فكان قرار شيبون الفرار من هذا الجحيم. فعمل معلماً لفترة لم تكن مريحة في تاريخ حياته. أما صلاح أحمد إبراهيم فكانت حياته صراعاً مع «الأعضاء الجاهلين» كما أسماهم. فكانت مضايقته باتهامه بالعمالة للمخابرات الأمريكية وذلك بعد ترجمته لكتاب «النقد الأدبي في أمريكا». عانى الاثنان من أحقاد الشيوعيين عليهما. فكان قرار شيبون الابتعاد عن مسرح العبث الشيوعي فاتجه نحو رفاعة التي عمل فيها معلماً لمدة. وبها لاحقه الأعضاء القدامى. فكان قراره النهائي بالرحيل عن الحياة بتلك الصورة المأساوية. أما صلاح فقد وجد في أكرا بغانا ملاذاً إبداعياً وأكاديمياً بعيداً عن أحقاد وبلاوي الرفاق. حتى أعلن خروجه النهائي من الحزب كاشفاً سوءات الرفاق وظل حتى وفاته يحمل ألماً لا يُوصف كما قال للرفاق الذين تسببوا في نهاية صديقه شيبون. داخل إبداعهما الأدبي تبرز حالة الإمساك بالمعرفة من خلال تلك الكتابات التي لن يصدق المرء حين قراءتها أنها لأبناء العشرينيات أو قبل الثلاثينيات بقليل فصلاح كتب قصته القصيرة «خادم الله» وهو بالسنة الثانية بحنتوب وهي القصة التي نشرتها الصراحة بل واحتفت بها. أما شيبون فقد ترجم عدداً لا بأس به من القصائد الإنجليزية وتحديداً للشعراء صموئيل جونسون وشيلي وكيش. ومن أشهر ما ترجمه هذا المبدع قصيدة An old sea mariner (البحار العجوز) تشابه الاثنان في الكثير فكانت فترة نهاية الخمسينيات وبداية الستينيات هي فترة الإنتاج الثر للاثنين وهي الفترة التي استبان للاثنين فيها عدم جدوى الفكرة التي ضحيا بالكثير من أجلها. حتماً لو قيض لشيبون العيش سنوات أخرى بعد وفاته في نهايات العام «1961م» لكتب الكثير عن عدم جدوى تلك الفكرة تماماً كما فعل صلاح أحمد إبراهيم في عدد من مقالاته الضاجة بالحقائق. رحمهما الله.