لقد حان الوقت لإصلاح الأوقاف وأن نعمل على توسيع الوعاء الوقفي خصوصا مع تزايد الدعوات إلى إسهام أموال الأوقاف في دعم التنمية والتعليم ومحاربة الفقر، التي هي في صلب العمل الخيري وصولاً إلى تحقيق الأمن الاجتماعي بتسخير المؤسسة الوقفية لخدمة المجتمع المدني. والابتعاد بها عن الصراع السياسي الذي أقعد الأوقاف عن دورها في الحياة العامة. هنالك ضيق في مفهوم ومجالات الوقف لدى بعض الجهات التي لها علاقة بالوقف. وهذا المفهوم الضيق للأوقاف انحرف بها عن دورها الريادي في خدمة المجتمع، وساعد على تشويه صورتها وأصبحت حديثاً يتصدر عناوين الصحف اليومية سواء أكان ذلك بقصد أو بدون قصد إلى قتل الخطاب الوقفي جملة وتفصيلاً، لذلك كان لا بد من الدعوة لإصلاح الأوقاف والبعد بها عن أي صراع. إن تدهور فاعلية الأوقاف في الفترة الحالية وعجزها عن أداء دورها في خدمة المجتمع أدى إلى عجز العلماء والفقهاء والمهتمين بأمر الأوقاف عن تحويل مفهوم الأوقاف إلى معنى عصري يتلاءم مع مستجدات الحياة الحديثة. إن إشكالية ونمطية الأوقاف الشرعية ليس في السودان فحسب، بل توجد في كافة ألأقطار الإسلامية وذلك بعد أن فشل العلماء في توسيع مفهوم «الصدقة الجارية» كما أن كُتاب التاريخ الإسلامي لم يتوسعوا في تطبيقات الأوقاف على المجتمع المدني بحيث اقتصرت على بناء المساجد وتوفير المياه وطباعة المصاحف مع غياب دور إيواء الأيتام والمطلقات وذوي الاحتياجات الخاصة رغم اكتظاظ التاريخ الإسلامي بشواهد حقيقية للأوقاف الشرعية التي لعبت دورا مهما وبارزا في مجال الخدمات المدنية والاجتماعية، لذلك كان لابد من الدعوة إلى إزالة كل أنواع القطيعة مع الأوقاف وضرورة إنشاء ورش عمل تفصيلية مع مؤسسات المجتمع المدني وتوسيع دائرة العلاقة مع الفقهاء لتطوير مفهوم الأوقاف لتحقيق التلاؤم والانسجام مع مؤسسات المجتمع المدني، بالإضافة إلى التأكيد على دور الجامعات والمراكز البحثية ذات العلاقة في زيادة البحث العلمي المنهجي التطبيقي والبحث عن تمويل داخلي وذلك بإزالة القطعية أيضا مع القطاع المصرفي ليكتمل دور الأوقاف في خدمة المجتمع المعاصر. كما توجه الدعوة إلى مؤسسات المجتمع المدني بإعادة التواصل مع المؤسسة الوقفية للحصول على الدعم وإنهاء القطيعة بين الجانبين، جهلاً من الأولى بالدور المناط على الأوقاف لخدمتها. تقصير رجال الدعوة والفقه والمهتمين من جهته أخرى. إن غياب الخطاب الوقفي والأحداث التي شهدتها الأوقاف في الشهور المنصرمة رسخا في أذهان «العامة» صورة قاتمة عن الأوقاف وهذا أيضا أدى إلى إضعاف دور الأوقاف الشرعية. قال ابن خلدون: «ما من فقير يذهب إلى بلدة من البلاد هو غريب فيها وهي غريبة عنه، إلا وتنادي بيوتاتها التي أوقفت لهذا الأمر أن اقبل إلي فمرحباً بك». والدعوة تبنى على وضع محاور لتكوين استراتيجية للإصلاح تتضمن عدة محاور نسعى من خلالها لتنمية وتطوير الأوقاف: أولاً: المحافظة على الأصول الوقفية وضمان الاستمرارية لدور الوقف بإخضاعها لنظام التحفيظ العقاري وتخصيص جزء من أموال الوقف لصيانة وإصلاح الأملاك. ثانيا: السعي لتحقيق نسبة نمو مرتفعة ومطردة لموارد الوقف ليزداد دوره في أداء وظيفته، بالحرص على استيفاء المنتجات الإيرادية وتعديل الإيجارات لتتناسب مع مثيلاتها بالسوق، كما تحرص على عرض المحلات الحبسية الفارغة على المزاد العلني للإيجار. ثالثاً: تجديد طرق استثمار الأموال الوقفية وتنميتها باختيار أفضل الأساليب العصرية المتاحة المبنية على دراسات فقهية وقانونية التي تلائم طبيعة الوقف وخصوصيته. رابعاً: استحداث سبل وصيغ جديدة لاستثمار أموال الوقف من أجل تأمين دخل مرتفع للصرف منه على أوجه التحبيس وعدم الاكتفاء بالصيغ التقليدية القديمة «الإيجار، الاستثمارات العقارية...» على أن تكون أكثر أماناً. خامساً: الانفتاح على مصادر تمويل جديدة، والاستفادة من الإمكانات التي يتيحها صندوق الاستثمار في ممتلكات الأوقاف التابع للبنك الإسلامي للتنمية. سادساً: تشجيع الأبحاث والدراسات المهتمة بميدان الأوقاف خصوصا تلك المتعلقة بالاتجاهات المعاصرة في تطوير الاستثمار الوقفي. سابعاً: تجديد الخطاب الوقفي وذلك لنشر ثقافة الوقف والتعريف به لدى الجمهور المتخصص والواسع وذلك من خلال عقد ندوات متخصصة بتعاون مع الجامعات وطبع الأطروحات التي تتعلق بالأوقاف ضمن منشورات الوزارة، وتخصيص برامج إذاعية وتلفازية للتعريف بالوقف وأهدافه، علاوة على موقع الوزارة على الانترنت، كما يتم تخصيص بعض خطب الجمعة للتنوير بموضوع الوقف. ولإبراز دور الوقف التاريخي وأهميته في الدفع بعجلة التنمية في البلاد، ولتنمية وبيان دور المحسنين في الإسهام في الوقف لتعود المؤسسات الوقفية إلى الصورة التي كانت لها عبر العصور. ولإحياء وظائف الأوقاف الاجتماعية والتضامنية بزيادة الأنشطة الاجتماعية في بلادنا بالنظر للظروف السياسية والاجتماعية الراهنة، وكذلك لنبين من خلال هذه الدعوة أهمية الوقف، كأداة لمحاربة الفقر والتهميش، في الدفع بعجلة التنمية في السودان. ثامناً: العمل على إنشاء محافظ وقفية وذلك ببيع الأوقاف التي لا يرجى استثمارها للعشر سنوات القادمة فإنها تباع هذا جائز شرعاً وتوضع قيمتها فى هذه المحفظة لتقوم بها أوقاف يرجى استثمارها مع الاحتفاظ بشرط الواقف وهذا من باب التمويل الذاتي. كما ندعو لعقد شراكات واتفاقيات مع مؤسسات المجتمع التي لها مجالات وأهداف مشتركة مع الوقف لانجاز مشاريع خيرية أو استثمارية ذات طبيعة تنموية. نأمل أن يشارك أصحاب الاهتمام لنشر هذه الدعوة ودفعها إلى الأمام.