توفى الاثنان وتركا إرثاً خالداً من الكتابات والوثائق وغير ذلك من شواهد البحث الشاق نحو استنطاق التاريخ والمجتمع وذلك من خلال حياتهما الممتدة سنوا نافعة للغير ممتلئة بالمعاني السامية. رغماً عن بحث التيجاني عامر المبكر في عدد من القضايا ذات الصلة بالتاريخ والمجتمع إلا أن كتاباته كثمرة معرفية ناضجة لم يهتم بها الناس إلا حين دعا داعي الالتفات للمجهود الذي كان يبذله هذا العملاق. تعتبر فترة الستينيات هي أخصب فترات إنتاج الأستاذ التيجاني عامر، ففي تلك السنوات تمكن بعد قراءات مستفيضة في التاريخ وتاريخ حضارات وادي النيل من التيقن بأن السودان ما هو إلا مهد حضارات مثله مثل الكثير من البلاد. كانت تحليلاته تلك بل وكتاباته المتيقنة سبباً مباشراً في الالتفات إلى ما يقوم به من بحث وقراءات. أما عون الشريف قاسم فقد كان ذا نظرة فاحصة لكل ما من شأنه أن يشكل وحدة موحدة من المشاعر القومية والوجدانية لجميع أهل الثقافة العربية والإسلامية بالسودان فبحث عن شخصيات المجتمع السوداني حتى أضحى واحداً من أهم المراجع في البحث عن شخصيات سودانية تنتمي لمجتمع الثقافة العربية الإسلامية فكان سفره الرائع بأجزائه المتعددة (قاموس الشخصيات السودانية). في جانب الأستاذ التيجاني عامر فقد مازج وزاوج ما بين اهتمامات عظيمة لا يمكن الجمع بينها في وقت واحد. فهو الرياضي الذي على يديه وأيادي سبعة من المخلصين الوطنيين أنشأ نادي الهلال الرياضي زائداً عمله المهني بوزارة الصحة ليضيف لذلك العمل السياسي كسياسي حر مستقل عن أي تنظيم سياسي ومن ثم ليدهش الجميع بكتاباته الصحافية المتنوعة ليصل مرحلة الفرادة في عالم الأدب ليكتب ديوان شعر أسماه (جد وهزل) وهو منظومة رائعة من الأشعار التي يمكن أن تكون قوالب خاصة بعدد من المواقف والشخوص والأحداث لينهي مدهشاته بإصدار صحيفة العاصمة التي لم تعمر طويلاً بسبب شح الإعلان وغلاء مدخلات الطباعة زائداً محدودية دخله باعتباره عفيف اليد كريم المحتد شهم الهمة فلم تمتد يده لحرام مالاً كان أم شيئًا آخر ليتوافق الاثنان في عدد من الجزئيات أهمها عمل البروفسيور عون الشريف في عدد من المجالات في وقت واحد ومن ذلك عمله أستاذاً بالجامعة زائداً كتاباته الصحافية مزاوجاً ذلك بكتبه التي أصدرها أثناء توليه وزارة (الشؤون الدينية والأوقاف). بمجلس الشعب القومي ومنذ العام «1978م» حتى قيام الانتفاضة كانا في شغل دائم بلجان المجلس (البرلمان) وفي هذا فلم يكونا من سدنة نظام النميري بل كانا وطنيين ألقت بهما ساس يسوس في لجة العمل البرلماني كأعضاء به. رغماً عن استقلالية الأستاذ التيجاني عامر فقد قرر في العام «1968م» خوض غمار الانتخابات بدائرة انتخابية تعتبر من أشرس الدوائر الانتخابية وهي دائرة أم درمانالغربية ضد كل من أحمد زين العابدين الوطني الاتحادي وعبد الخالق محجوب الحزب الشيوعي فكبر قدره عن الناس لتجربته تلك أما بروفسير عون الشريف قاسم فكان حالة أخرى لعمله أستاذاً بالجامعة منذ سنوات الستينيات حتى وفاته إشارة لقهر صعاب المرض وطرد إحساس الكبر فكان حين عمله بالجامعة الأهلية وجامعة إفريقيا قد تجاوز السبعين بقليل. فكان خير درس لصغار السن من محبي (الراحة والدعة). من عجب أن الأستاذ التيجاني عامر كان يكتب بصحيفة السياسة لصاحبها خالد فرح مقالات حول الأصول الحضارية للسودان وفي يوم وفاته نُشرت له حلقة كانت وداعًا لعالم الصحافة والتاريخ والدنيا.. لهما الرحمة.