يا سبحان الله!! من كان يتخيَّل أن تنكسر إرادة نتنياهو فيلطم الخدود ويشقّ الجيوب ويطلب الوساطة لوقف إطلاق النار بعد يوم واحد من حملته على قطاع غزة؟! ما الذي تغير فأحدث كل هذا التغيير الهائل الذي دشَّن بداية النهاية للكيان الصهيوني في أرض الأقصى مسرى الرسول صلى الله عليه وسلم ومُنطلَق معراجِه إلى السماء؟!. إنها مصر وشتان شتان بين مصر مرسي التي أحدثت كلَّ هذا التحوُّل ومصر مبارك الذي وصفه نتنياهو بكنز إسرائيل الإستراتيجي ففي عام «2008م» حين حدث الاجتياح الإسرائيلي لغزة في المرة الماضية كانت مصر تضيِّق الخناق على غزة وتساند إسرائيل ويعلن الرئيس الفرنسي السابق ساركوزي من تل أبيب أن مبارك قال له إنه يجب ألا تنتصر حماس أما هذه المرة فإن مصر تسحب سفيرها من إسرائيل وتطرد السفير الإسرائيلي من القاهرة ويزور رئيس وزرائها هشام قنديل غزة متحدياً وتفتح مصر المعابر وتُنهي الحصار وتعلن عن دعم غزة ويزور أمير قطر غزة ويعلن أن ذلك ما كان له أن يتم لولا الربيع العربي في مصر. إنها رياح صلاح الدين الأيوبي تهبُّ على أرض الكنانة من جديد.. إنه الدور المفقود يعود لمصر بعد انقضاء فترة الاستبدال في تيه الأنظمة الطاغوتية العلمانية التي أخرجت مصر عن تاريخها بما في ذلك النظام الملكي ثم النظام الناصري والأنظمة التالية التي تنكَّرت لدور مصر ودينها وحضارتها الممتدة في أعماق التاريخ!! نعم.. كان لمصر الثورة الأثر البالغ فيما حدث هذه المرة من انهزام للعدو الصهيوني وكان لحماس والنقلة النوعية في تطوير أسلحتها التي وصل مداها إلى تل أبيب أثره كذلك في إخافة ذلك المعتدي الأثيم نتنياهو بل إن حماس استطاعت أن تُسقط طائرة (إف 16) وهو ما لم تفعله الجيوش العربية في تاريخها الطويل كما أسقطت طائرة استطلاع وتجسُّس بدون طيار!! إنها بداية النهاية لدولة الكيان الصهيوني فقد تغيَّر ميزان القوى أخيراً وتغيَّرت المعادلة الجغرافية والإستراتيجية بعد الربيع العربي وتبيَّن أن إسرائيل ما هي إلا أسد من ورق!! من عجبٍ أن مرسي لم يمضِ على حكمه أكثر من ثلاثة أشهر تقريباً حدث خلالها كل هذا التحول في موازين القوى فكيف سيكون الحال بعد سنوات قليلة؟! والله إني أرى رأي العين عودة الأمة إلى مجدها الغابر بتوفيق الله القوي الجبار وسيادة الإسلام من جديد فقد بدأت الدورة الحضارية الجديدة وانتهى التيه بمنّ الله تعالى على الذين استُضعفوا في الأرض وفضله عليهم. أين السودان من كل هذا التغيير؟! هل أقول إنه لا في العير ولا في النفير أم أقول إن هناك أملاً؟! لن نيأس من روح الله خاصة بعد انعقاد مؤتمر الحركة الإسلامية الأخير الذي قد يُحدث تغييراً في المشهد السياسي في السودان إذا فُعِّل دور الحركة الإسلامية وخرجت من عباءة التنظيم السياسي والسلطة الحاكمة وتمكَّنت من إحداث تغيير استعدلت به البوصلة ووضعت الدولة في مسار الربيع العربي من خلال هيكلة الدولة السودانية وفقاً لأسس الحكم الراشد الذي تتبنَّاه الدول المتحضِّرة بما في ذلك سيادة حكم القانون والدستور والفصل بين السلطات وإشاعة الحريات بما في ذلك حرية التعبير والصحافة ومكافحة الفساد. نستطيع أن نضع السودان في مسار الربيع العربي لو تمكَّنّا من تأمين السودان وقهر الحركات المتمردة المستقوية بدولة الجنوب التي تحمل مشروعاً استعمارياً توسعياً لم تُخفِ هدفها حين ضمنته في اسم حزبها الحاكم (الحركة الشعبية لتحرير السودان). نستطيع أن نضع السودان في مسار الربيع العربي لو تمكنَّا من تحرير التراب الوطني واقتلاع تلك الدويلة التي تحمل ذلك المشروع العنصري الاستئصالي التوسعي حتى ننعم بجوار آمن مع دولة الجنوب. نستطيع أن نواجه التحديات لو تمكَّنت الحركة الإسلامية من توحيد أهل القبلة فليبدأ شيخ الزبير بإزالة الاحتقان داخل الحركة الإسلامية بضم مجموعة الإصلاح من خلال الاتفاق على الرؤية والأهداف ومن ثم الجلوس مع الجماعات الإسلامية الأخرى والاتفاق على الثوابت والإستراتيجيات والانطلاق بها نحو الإصلاح الشامل بما يقوِّي الدولة ويواجه التحديات وأنا على ثقة بأن الرئيس لن يرد رؤية أهل القبلة التي ترعاها الحركة الإسلامية التي ستنجح إذا هي فتحت صدرها للأفكار الجديدة بدلاً من التقوقع داخل أسوار رؤية الحرس القديم فهل يفعلها شيخ الزبير وهل يلبس لأمة الثائر المتشوِّق للتغيير؟! أخي الزبير لا أحتاج إلى أن أقول إنني أتمنى لك التوفيق وستجدني معيناً لك داعياً لك ويُحزنني أن يتكأكأ بنو علمان بقيادة الرويبضة وبقية شُذَّاذ الآفاق ويتحالفوا مع متمردي الحركة الشعبية وعرمانها وباقانها والحركات الدارفورية العنصرية المسلحة ويشكلوا الجبهة الثورية السودانية بينما تفشل جبهة الإسلام في التحالف من أجل حماية هذه البلاد وهُويَّتها وأراكم جديرين بأن تُعيدوا للحركة الإسلامية حيويتها إذا تمتَّعتم بقدر من الاستقلالية واستعنتم بالله رب العالمين.