مقال كتبه الأستاذ عباس محمود العقاد قبل ستين عاماً عنوانه: «كيف ترى مصر عام 2013»؟ أسبوعان فقط ويطلُّ علينا عام 2013م هل كانت تنبؤات العقاد صحيحة؟ المقال صدر في مجلة الهلال التي كانت تحتفل بعيد ميلادها الستين آنذاك، قدمت في ذلك العدد الخاص هذا السؤال لبعض الأدباء والمفكرين: «كيف ترى مصر بعد ستين عاماً»؟ الإجابة الأطرف عن السؤال كانت بقلم الأستاذ فكري أباظة. ماذا قال العقاد؟ وماذا قال فكري أباظة؟ وعلى ذات القياس وذات النهج ونحن تُطلُّ علينا سنة 2013م هذه بعد أسبوعين فقط نسأل مجدداً كيف سيكون حال السودان ومصر والعالم العربي والإسلامي بعد ستين عاماً؟! أو قل عشرين عاماً؟. يمكنك أن تجيب عن السؤال عزيزي القارئ ولا تبالي، أطلق العنان لخيالك.. «هو الخيال بي قروش؟» اجعل إجاباتك في منتهى الصراحة وعلى ضوء الحاضر. يمكنك الاقتداء بأسلوب العقاد في الاستقراء والتحليل وسنطلعك على أهم جزيئاته.. ويمكنك استخدام أسلوب فكري أباظة في طرافة الخيال: نبدأ أولاً بإجابة فكري أباظة في الرد عن سؤال مجلة الهلال: كيف ترى مصر بعد ستين عاماً؟ كتب قائلاً: أعوذ بالله!! مصر كما سأراها وأنا في المائة من عمري؟! يفرض عليّ «الهلال» هذا الموضوع فرضاً.. من قال للهلال أني أحب أن أعمّر حتى مائة عام؟!.. إني أمقت هذا السن مقتاً مريراً، فلا أحب أن أرى بعيني في المرآة كيف تبدد شَعَري الكثيف، ولا أود أن أشهد كيف تجعد وجهي، وتيبّست شراييني، وتلخلخت ركبتاي، وتخاذلت قدماي، لا.. لا.. لا أود أن أرى بعيني، ولا أن أسمع بأذني كيف يتشتّت الجمع من الغواني اللواتي كان جمعهن يلتف حولي ويدور، وتجري ورائي في كل القصور والدور. لا.. لا.. لا أود أن أشهد ذلي بعد عزتي، وضعفي بعد قوتي، وقعودي بعد رجولتي وصولتي. ومع ذلك: فإن «الهلال» تريد أن أكتب في الموضوع على هذا الفرض الموجوع، فأنا ألبي مرغماً بكل خشوع وخضوع. بهذه المقدمة الطريفة استهل فكري أباظة مقاله الشيّق. فقد نعى نفسه في البداية حينما يطلُّ على مصر عام 2013م ويكون عمره اليوم فاق المائة وهو لا يدري «المرحوم» أن مصر تعيش هذه الأيام بعد ثورة 25 يناير مخاضاً خطيراً وحريات مسكوبة على ميدان التحرير والإخوان المسلمون على دست الحكم يتعرضون لأضخم التحديات والإسلام أو الإسلاميون قد سيطروا بفضل الربيع العربي ليس على مصر وحدها ولكن على معظم رقاع العالم العربي.. الخ آخر ما نشاهده اليوم. لكن ماذا كان يرى وهو في ذلك الزمان عن صورة مصر اليوم 2013م؟ كانت إجابته مفعمة بالتفاؤل والأمنيات والأحلام.. وأهم ما ورد فيها قائلاً: «لا أتصور أن مصر.. مملكة ملكية، ولا أمبراطورية رأسمالية استعمارية، وإنما أتصورها اتحاداً مصرياً عربياً في شكل جمهورية.. جمهورية واتحاداً على غرار الجمهورية الروسية والاتحاد السوڤيتي المعروف وإنما على المبادئ الديمقراطية الصحيحة والاشتراكية الإسلامية الصريحة، ولن تكون الرجعية ولا التقدمية هي الدستور وإنما يكون الوسط بين الرجعية المعقولة والتقديمة المقبولة هو الدستور «انتهت هذه الجزئية من مقال فكري الطويل». الحقيقة يا فكري أن مصر كادت تكون ملكية لولا ثورة يناير 2012م. والغريب المدهش أن يصادف هذا العام 2013م هو العام الذي تخوض فيه مصر تجربة قاسية مع الدستور!!.. فهل يا ترى تأتي تنبؤات أو استقراءات فكري صحيحة ويكون الدستور كما ذكر في تخيُّله أعلاه؟! أما الأستاذ عباس محمود العقاد فكانت إجابته عن السؤال مباشرة لما عُرف عنه من أسلوب يميل نحو العلمية المبنية على ثوابت تاريخية ومعطيات ودراسات نفسية عميقة لكاريزما المواطن المصري وشخصيته والمؤثرات العالمية التي لا تنفك تحدث أثراً بالغاً على السياسات الداخلية. ماذا قال العقاد؟ استهل العقاد مقاله قائلاً: إن جواب هذا السؤال يتراوح بين التفاؤل والتشاؤم فالماضي هو قياس المستقبل، ونحن على رجائنا أن تسرع بنا خطوات التقدُّم بما يفوق قياس الماضي.. ثم قسّم الأستاذ العقاد رؤاه إلى ثلاث قواعد أساسية هي: 1/ الوعي القومي. 2/ السياسة والاجتماع. 3/ العلوم والآداب والفنون. ففي الوعي القومي عقد مقارنة بين الماضي من ستين عاماً واللحظة التي يعيشها والتي أفضت حسب مقاله إلى أحداث ومواقف أكدت تنامي الوعي القومي ونبذ الجهوية والشتات. ثم تطرق بعد ذلك إلى السياسة والاجتماع وعقد مقارنة أيضاً بما مضى من ستين عاماً إلى يومه ذاك الذي كتب فيه المقال فانطلق إلى نقطة مهمة جداً خلص فيها إلى القول: «إن التطور السياسي والاجتماعي خلال الستين سنة الماضية يتلخّص في أن الثورتين كان لهما الأثر الأكبر، وهما الثورة على الاحتلال البريطاني والأخرى ثورة على سلطان الفرد المطلق ممثلاً في حكم فاروق». ويمكننا هنا أن نقول إن تحليل العقاد كان صحيحاً فقد تنامى الوعي القومي، فها هو عام 2013 يشهد أيضاً ثورة على سلطان الفرد الذي أطاح حسني مبارك. لكننا قبل أن نسترسل في تنبؤات العقاد علينا عزيزي القارئ، أن نأخذ بعين الاعتبار وأن هناك تحولاً كبيراً طرأ على العالم خلال الستين سنة الماضية أهمه انهيار المعسكر الشرقي، القطب الثاني لإحدى القوتين العظميين ممثلة في الاتحاد السوڤيتي، كما أن بعض الدول قد أحرزت تقدماً سريعاً وأخرى تأخرت وتقهقرت وخاضت حروباً ما زالت تعاني منها الأمرّين مثل العراق وأفغانستان وباكستان. علماً بأن الأخيرة تعدُّ دولة نووية. نعود لتبؤات العقاد عن مصر 2013 وقسْ على ذلك عالمنا العربي، يقول العقاد في شأن العلوم والآداب والفنون: «يبدو لنا أن علامات التطور لا تتمثل في ظاهرة من هذه الظواهر كما تتمثل في المقارنة بين علومنا وآدابنا اليوم وبين هذه العلوم والآداب قبل ستين سنة، فإن المقارنة بين أمس واليوم في العلم والأدب والفن تسفر عن تقدُّم لا شك فيه. إن المطبعة قد صنعت العجائب في أواخر القرن التاسع عشر. لكن من مقاييس المقارنة في هذا الباب أننا كنّا نعوِّل على الترجمة كل التعويل، فتقدمنا إلى التعويل على التأليف والكتابة في الأدب والنقد والقصة والرواية والعلوم والمسرح ويتقدم الأستاذ العقاد كثيراً في المقارنات قبل ستين عاماً من عامه ذاك ليقيس عليها تفاؤلاً لأعوام ستأتي حتى 2013م يضيق المجال لذكرها، لكنه يخلص أخيراً في قراءاته إلى عبارة: «سألنا في مفتتح هذال المقال: كيف نرى مصر بعد ستين عاماً أي 2013 ؟فنسأل في ختامه: كيف يرانا السابقون الذين نظروا للمستقبل قبل ستين سنة؟ ونرجو أن نعبِّر عن الحقيقة إذا قلنا إنهم يتفاءلون بما كان ونتفاءل بما سيكون سنة 2013«أه». وبعد.. هل يا ترى تفاؤل العقاد في محله؟ وأخيراً عزيزي القارئ قد لا يعجبك أن تشهد السودان بعد ستين عاماً وقد تقدمت بك السن إن كنت اليوم بعد الأربعين على قول فكري أباظه، فترى تطوراً كثيراً قد طرأ عليه في شتى ضروب الحياة وأنت حينذاك قد سقط عنك الشَّعَر وتجعَّد الوجه وتيبست العروق وقد تنظر إلى المرآة ولا تكاد تبين معالم وجهك من ضعف في النظر أو قلة في السمع وقد هربت منك لذات ومتعة ونعمة الحياة، لكن أكيد ستكون سعيداً جداً جداً إذا كان سوداننا الحبيب سينعم بالعافية والمنعة والقوة حينذاك أكيد سيكون العزاء في أنك قد شاهدت ما كنت تحلم به. عام سعيد وأمنيات وأحلام متفائلة.