حوار: روضة الحلاوي - تصوير: متوكل البجاوي العقيد محاسن عبد الوهاب التازي رائدة الشرطة النسائية على مستوى الوطن العربي والإفريقي والسوداني بحكم أنها أول من طرق باب الدخول للانخراط في العمل الشرطي في مطلع السبعينيات إبان فترة مايو وقد أثبتت كفاءة عالية في المناصب التي تقلدتها وذلك بشهادة زملائها ورؤسائها في الوحدات التي عملت بها في المرور والمباحث وجهاز الأمن، ونالت كثيرًا من الأوسمة التقديرية والتكريمية.. وأنا في طريقي لإجراء هذا الحوار معها في ذهني أني سالتقي امرأة في شخصية عسكرية صارمة القسمات شديدة الحسم والربط ولكن مجرد أن التقيتها بدَّدت ابتسامتُها المصحوبة بالمرح غير المفرط الصورة التي رسمتُها لها فوجدتُ نفسي أمام شخصية مرحة، لمّاحة، ذكية، تحسب كلماتها وتنتقيها بعناية بما يعكس خبرتها الطويلة في مجال العمل الشرطي والأمني وهي تروي تجربتها في الشرطة السودانية وما أضافته لها، وتبدو أنها ما تزال قادرة على العطاء وهذا من واقع خبرتها التي اكتسبتها فالقدرات لا تقاس بالعمر بل بالعطاء. من هي محاسن التازي؟ وُلدت بمدينة بحري الأملاك، تلقيتُ كل تعليمي بمدارس الراهبات بالخرطوم والتحقت بجامعة القاهرة الأم ونلت منها درجة الماجستير تخصص علم النفس الاجتماعي، تلقيت العديد من الكورسات بدول مختلفة معظمها يتعلّق بالعمل الشرطي وعملت بالسفارة السودانية بإنجلترا وبالشرطة الإنجليزية، وأم لأربعة أبناء وجِدة لستة أحفاد. فكرة الالتحاق بالشرطة؟ كنت في البداية أرغب في الالتحاق بأي عمل يخص الأحداث، وكانت لنا علاقة أسرية مع أسرة الهاشماب بالرائد أبو القاسم إبراهيم وهو صديق شخصي لشقيقي العميد عبد السلام التازي، فاقترح عليّ أن أكون أول ضابط شرطة فراقت لي هذه الفكرة، ولكن شقيقي رفض بشدة ووقف معي أخي المرحوم محمد عميد الأسرة فوافق أخي عبد السلام بعدها، فكان لي شرف الالتحاق بالشرطة. حدِّثينا عن فترة التدريب؟ فترة التدريب هي أهم الفترات في حياتي، وكنا نتلقى التدريب أسوة بالرجال ولم يكن هناك استثناء إلا في بعض أنواع العقاب، فكان عقاب البنات فقط إدارة داخلية مدتها على حسب الخطأ المُرتكَب، أفادتني هذه الفترة واكتسبتُ منها القوة والصلابة، وتلقيتُ مختلف أنواع التدريب ابتداءً من البيادة وانتهاءً بصيانة العربات التي تعلمناها في النقل الميكانيكي، وكنت أول امرأة تقود عربة بلوحة حكومية على الإطلاق وأول امرأة تحمل مسدسًا في حقيبتها.. وأذكر أن هناك بعض الطلاب كانوا رافضين فكرة وجود طالبات معهم في الشرطة، فبعضهم يُظهر لك غضبه ولا يسلم عليك لعدم تقبلهم وجودنا، ويعتقدون أن العمل الشرطي خاص بالرجال فقط وأن المرأة سوف تقلل من قيمة هذا العمل.. والتدريب على السلاح من أصعب التدريبات وأنا أُجيد استخدام المسدس. من كان معك من الزميلات؟ من الزميلات كانت معي حفصة عبادي وسميرة رمضان وفوزية البرير وعلوية الناطق وأسماء كشة وهذه لم تواصل، بعد التخرج اخترت الالتحاق بالشرطة وأصبحت أتبع لوزارة الداخلية وهن اخترن جهاز الأمن. وحدات عملت فيها؟ أول إدارة عملت بها المرور، وكنت أقف بصينية جامعة الخرطوم وقت الذروة لتمرير الحركة، وكان هناك استغراب واندهاش، ولكن سرعان ما تبدل ذلك لتشجيع وإعجاب وتصفيق، وكان إحساسي مزيجًا من العزيمة والإصرار على النجاح وإثبات الوجود ولفتح مجال جديد للمرأة السودانية لترتاده، لأن نجاحي كان يتوقف عليه الكثير.. وكان الرجل السوداني يحترم المرأة ويُصغي للنصح والإرشاد فكنت دائماً ما أُبرز تفوقًا في وقت الذروة وتسهيل الحركة في هذا الموقع المهم.. وعملت بالمكتب السري لأمن نميري. كيفية التعامل مع المجرمين؟ التعامل مع المجرم على حسب سايكلوجيته؛ لأن هناك مجرمين عنيفين.. ومثل هؤلاء يكون التعامل معهم في وجود أحد الزملاء خاصة في جرائم القتل والتحري معهم، فهذه مواقف تحتاج «لشنب» حتى أكون مطمئنة وأُؤدي عملي على أكمل وجه، ومثل هؤلاء المجرمين أتوقع أن يتصرفوا تصرفات تخدش الحياء لذلك الاحتراس لازم. قضية في الذاكرة؟ تلقيت مكالمة هاتفية بأن هناك شابة تحتضر بمستشفى الخرطوم، وقتها كنت أعمل في مباحث الخرطوم نتيجة لإجهاض جنائي خطأ، فهذه الشابة كانت طالبة ثانوي، وعند وصولي لها وجدتها تنزف بشدة، وبعدها بلحظات توفيت، وكان من المفترض أن ألقي القبض على الأم كضابط شرطة وأن أخبرها بوفاة ابنتها، فكان من أصعب المواقف التي مرَّت بي.. وأخيراً قمت بما يمليه عليّ الواجب فأخبرتُ الأم بالوفاة وألقيتُ القبض عليها، والأصعب من ذلك أني اكتشفت أن القابلة التي قامت بالإجهاض والدة صديقتي أيضًا ألقيتُ القبض عليها، وأصعب يوم عشته في حياتي دخولي المشرحة للتعرف على الجثة وحضور حيثيات التشريح لأني شاهد اتهام فكان يومًا لا يُنسى.. ولن أنسى منظر والد الشابة الذي أتى في اليوم الثاني للحادثة من اغترابه ليجد أن المتهم ابن أخته. الانتماء السياسي للشرطي؟ الشرطة جهاز يعمل كالجسد الواحد وهي قومية التكوين ولائية التشغيل تعمل بكيان وهدف واحد للحفاظ على الدولة والمواطن لذلك لا مجال للانتماء السياسي. حدثينا عن عملك في جهاز الأمن؟ كان أمن نميري أقوى الأجهزة الأمنية في المنطقة وأكثر شيء ضايقني قرار حل أمن الدولة الذي اُتُّخذ دون دراسة وكانت له عواقب وخيمة.. وقتها خضعنا لاختبارات قوية في الذكاء وقوة الملاحظة وتدربنا في أنحاء العالم ما عدا إسرائيل وتدربنا على أجهزة ذات تقنية عالية. أين تعمل التازي الآن؟ عُينت مستشاراً لحماية الأسرة والطفل ورئيسًا لمنظمة طوعية اسمها المسار تعمل في مجال أطفال النزيلات والنزلاء وأطفال المعسكرات، وتهدف لحماية الأسرة ومنعها من التفكك وحمايتها من كل الانتهاكات والإساءات.. خاصة أن هناك تعدي على الأطفال والعقوبات غير رادعة ولا تتناسب مع الجريمة.. فلابد أن تكون العقوبة إعدام أو مؤبد ولكن السجن والغرامة عقوبة بسيطة جداً. محطات مهمة في حياة التازي؟ المحطة الأولى: في فترة عملي في الشرطة الإنجليزية والتي استفدت منها كثيراً خاصة في مجال العمل الأمني. المحطة الثانية: في القاهرة حيث ذهبت للتدريب ونلت درجة الماجستير من هناك حيث كان بالقاهرة أقوى جهاز مخابرات الثاني بعد الموساد والرابع بالنسبة للعالم هذه الفترة استفدت منها مهنياً. ماذا أضافت الشرطة للتازي؟ أضافت لي الكثير الضبط والالتزام ومكَّنتني من تنظيم حياة أبنائي وتنظيم الوقت ولم تجعلني دكتاتورة بل حياتي مع أولادي طابعها ديمقراطي ورأي الأغلبية يمشي حتى لو خطأ ولم أتدخل في تعليمهم ولا في اختيار أزواجهم. لماذا لم يلتحق أبناؤك بالشرطة ولم يتأثروا بك؟ خالد كان متفوقًا جداً ولكن كانت رغبته العمل في مجال الطيران والآن هو كابتن طيار، أما التازي فذهب في مجال هندسة البترول، وسلافة منذ نشأتها ميولها طب فهي اختصاصي أنسجة مريضة، أما سارة فهي الآن ممتحنة للنواب بعد تخرجها في كلية الطب وهي ترغب في التخصص في الطب الباطني ولا أحد منهم انتهج نهجي. كلمة أخيرة؟ لا تغلق الباب الذي بينك وبين الناس قد تعود إليه.. والعاقل من يستفيد من أعدائه والغبي لا يستفيد من أصدقائه.