حوار: أم سلمة العشا تصوير: متوكل البجاوي في الوقت الذي كانت تتوارى فيه نساء السودان عن المشاركة الوطنية بحكم النظرة الاجتماعية للمرأة آنذاك، آلت على نفسها أن ترسل رسالة أيًا كان نوعها تعبيراً لحبها وعشقها للوطن، وبعد إعلان الاستقلال من داخل البرلمان، خرج الجميع للشارع، وبدأوا في إرسال القصائد الوطنية للسريرة مكي عبد الله الصوفي اختارت قبل أي أحد أن ترسم علماً رمزاً للبلاد بعد الاستقلال، حيث ظل يرفرف عالياً في سمائه معلناً بداية ميلاد الحرية للشعب، ومن هنا تظل عظمة نساء السودان على مر العصور عطاءً متناهياً وإبداعاً يذكره كثيرون. ولوقت قريب يجهل الكثيرون من هو أول من فكر في تصميم علم للسودان، شخصية جمعت بين العلم والتعلم والفكر والثقافة فضلاً عن أنها شخصية مخضرمة عاصرت فترتي الاستعمار والاستقلال، فكرت في تصميم العلم دون أن يتم تكليفها من قبل أحد من القيادات التي أسهمت وصنعت الاستقلال آنذاك، وأصدقكم القول لو كانت فكرة تصميم العلم في الوقت الحالي لاحتاج الأمر لتشكيل (لجنة ووضع ميزانية وأشياء من هذا القبيل). (الإنتباهة) جلست إلى مصممة أول علم بعد الاستقلال الأستاذة السريرة مكي عبد الله الصوفي، وقد ألقينا الضوء على محورين لهذه الشخصية، فإلى التفاصيل: ٭ أولاً من هي السريرة؟ اسمي السريرة مكي عبد الله الصوفي من مواليد أم درمان 1927م، انتمي إلى قبيلة الرباطاب، وكان والدي يعمل قاضياً بالمحكمة الشرعية وخليفة للشريف يوسف الهندي ببري الشريف، ووالدتي الحاجة نفيسة الحسن عوض الله من أوائل البنات اللائي درسن بمدرسة بابكر بدري للبنات برفاعه، تلقيت تعليمي الأولي بمدرسة العباسية بأم درمان، وانتقلت إلى كلية المعلمات وتخرجت معلمة وتم نقلي لمدرسة أم روابة بنات، تم انتخابي لفتح مدرسة للبنات بمدينة الرهد، ومن ثم نقلت لكلية المعلمات بأم درمان، استمررت بها حتى العام 1948 ثم تركت العمل للزواج وأصبحت ربة منزل. ٭ لماذا تركت العمل؟ في فترة الاستعمار ما في شغل بعد الزواج، بعدها تفرغت لتعليم أبنائي الاثنين في تلك الفترة. ٭ هل كانت لديك أعمال أخرى بجانب التعليم إبان فترة الاستعمار؟ عملت عضواً في الاتحاد النسائي منذ بداية تكوين اللجنة التمهيدية الأولى، وعملت أيضا في الجزيرة في نفس المهمة في العام 1952 ثم قدمت برنامجاً في الإذاعة باسم حديث الأمهات وتقديم قصص للأطفال. ٭ من أين أتتك الفكرة لتصميم العلم؟ بعد اعلان الاستقلال من داخل البرلمان، بدأ كل منا التفكير في العمل بشكل جاد، البعض اتجه لإرسال القصائد تعبيرا عن الحرية، في الحال أنا فكرت بصورة جادة في رسم علم للسودان أخذت كراسة الرسم والبوهية وخططت ثلاثة خطوط وقمت بتلوينها، استخدمت اللون الأول الأزرق والثاني الأصفر وكونت من الأزرق والأصفر اللون الأخضر وكتبت مفتاحاً تحت التصميم، بحيث يرمز اللون الأزرق للنيل والماء، والأصفر يرمز للصحراء والرمال، بينما يرمز الأخضر للزرع، وكتبت أبيات من الشعر في ذلك اليوم يا وطني العزيز اليوم تم جلاك .. بهمة رجالك والله نلت مناك. ٭ تناول الكثيرون أنك كنت خياطة وهذا ما سهل عليك مهمة التصميم ما صحة هذا القول؟ أنا ليست لدي علاقة بالخياطة، وإنما كانت لي موهبة في الرسم منذ الصغر وقمت بعمل تشكيلي في رسم المناظر الطبيعية خاصة في أوقات الفراغ. ٭ تصميمك للعلم، هل كان بتوجيه أو مساعدة من قبل آخرين؟ أصلاً أنا لدي فكرة في تصميم العلم لأنني كنت مدركة تماماً أن الدولة المستعمرة بعد استقلال السودان سوف تأخذ أعلامها، ولا بد من تصميم علم خاص بالسودان بعد نيله الاستقلال، الأمر الثاني لم تكن هنالك جهة كانت تعلم بفكرة التصميم من الأساس حتى تتم مساعدتي، وأنا أصلاً بعد ما فرغت من التصميم أرسلته للإذاعة وكتبت عليه حرف «س» مكي الصوفي، بعدها سمعت القصيدة عبر الإذاعة، وقتها لم أكن أعرف عما حدث من تصميم العلم أية حاجة إلا أن جاء يوم رفع العلم. ٭ لماذا اكتفيت بكتابة حرفك فقط دون كتابة إسمك كاملاً؟ في زمن الاستعمار المرأة ليست لديها أية نشاطات، وهي ممنوعة منعاً باتاً من الدخول في السياسة لذلك لم أحرص لكتابة التفاصيل. ٭ هناك من يقول إنك فزت عبر مسابقة في تصميمك للعلم، ماذا أنت قائلة؟ لم تكن هنالك مسابقة، وما في زول دلاني على فكرة التصميم، أنا صاحبة الفكرة من الأساس، ولم يكن هنالك توجيه من أي أحد. ٭ ذكرت أنك اكتفيت بكتابة حرفك فقط، كيف عرفت السريرة بعد ذلك؟ طيلة ال«54» عاماً لم أكن معروفة، فقد تم تكريمي أول مرة في العام 2009 بعد احتجاج من قبل أولادي لدى السلطة الرابعة، عبر صحيفة «آخر لحظة»، وبعدها أصبح يكرموني في كل احتفال بعيد الاستقلال. ٭ هل هنالك أسباب ودوافع جعلتك تكونين غير معروفة، خاصة وأنك مصممة أول علم للاستقلال؟ أنا أهملت موضوع معرفتي، والسبب الثاني إننا كأسرة كنا دائماً مرتبطين بحكم عمل زوجي محمد عوض الله الحسن، الذي كان يشغل رتبة عميد في شرطة السجون، رحمة الله عليه، وعدم الاستقرار في ولاية الخرطوم بسبب التنقلات كان له دور كبير في غيابي، ودائماً ما تنقلنا بين الخرطوم وبحر الغزال وبور تسودان والجزيرة، وما أنسى يا بتي العلم تم تغييره في عهد نميرى بعد 14 عاماً ٭ ما هي أسباب تغيير العلم؟ سألت عن تغيير العلم، وكانت الإجابة أن الدول العربية لديها أربعة ألوان. ٭ هل وجدت ممانعة أو معارضة في فكرة تصميم العلم من قبل زوجك؟ أبداً، زوجي كان مؤيدني جداً ولم يحرمني من نشاطاتي التي كنت أمارسها، ودائماً كان يرافقني بعربته لكل الأنشطة.