اتصل بي الزميل والصديق الإذاعي سمير إبراهيم، في صباح اليوم التالي لذلك الحفل الذي أقامه تلفزيوننا القومي، لتكريم السابقين الذين أنشأوه وكذلك الذين كانت لهم سابقة العمل فيه، وذلك بمناسبة احتفال إدارته بالعيد الخمسين لإنشائه، فسألني سمير وكان غاضباً «هل شاهدتَ التلفزيون الليلة الماضية»؟ فقلتُ له: لا، فقال «إنهم احتفلوا بعيده الذهبي وكرّموا عدداً من الزملاء السابقين ونحن الذين عملنا فيه كذلك لمدة طويلة لم نُذكر مجرد ذكر، لا أنا ولا أنت...». فقلتُ له يا سمير أما أنا بخاصة، لو دُعيتُ لتكريم أو لو ذكرتُ في حفل كهذا؛ يكون هناك شيء خطأ وخروج عن مألوف، إذ لم يسبق لي أن دُعيتُ أو ذُكرتُ في أي مناسبة من المناسبات التي سبق أن احتفلت بها الإذاعة أو التلفزيون، ولذا فالأمر بالنسبة إليَّ عادي ولا غرابة فيه، بل الغرابة هي إن دُعيتُ أو ذُكرتُ، ولم أمنِ النفس قطُّ بذلك في يوم من الأيام. وكما قلتُ فقد كان سمير غاضباً وحق له أن يغضب. بعد حديث الأخ سمير، التقيتُ بالمصور التلفزيوني المعروف، الأخ عوض عيد، الذي كان في زيارة للإمارات، وهو الآخر كان غاضباً من أصحاب التكريم، لتجاهلهم إياه، وقد كُرمت جماعة من زملائه في ذلك الحفل، حيث قال لي من جملة ما قال: «نحن الذين كرمنا التلفزيون، إذ كنا من أوائل الذين عملوا في محطات تلفزيون خارج السودان، وكان عملنا في تلك المحطات تمثيلاً و تكريماً لتلفزيون بلادنا» ذلك قول الأخ عوض عيد. ثم سألته عن الذين كُرِّموا كما سألتُ قبله الأخ سمير إبراهيم، فذكر لي كما ذكر لي سمير الذين كُرموا، فاتضح لي أن ممن كُرِّموا أناساً بلا ريب يستأهلون التكريم، من ذوي السابقة والإسهام المقدر، في هذه المؤسسة، ممن هم أحياء أمّد الله في أيامهم ومتعهم بالصحة والعافية، وممن تُوفوا إلى رحمة ربهم سبحانه وتعالى. وقد بدا لي أن اختيار المكرّمين جاء على طريقة برنامج زميلنا فريد عبد الوهاب، الذي كان هو عبارة عن اختيار لقطة من هذا البرنامج المسجل، وأخرى من ذاك، وثالثة من آخر، وتجميعها ثم تقديمها إلى المشاهد بعنوان «لقطات». وعلى ذلك النسق الاختياري لفريد عبد الوهاب، وجدتُ أن إدارة التلفزيون استثنت في تكريمها، أناساً من ذوي السابقة والإسهام، أحياءً وأمواتاً. فمن الأحياء الذين استثنتهم الإدارة من تكريمها، بل حتى من مجرد الذكر من المذيعين الذين قضوا سنوات، قارئين للأخبار ومقدمين للبرامج من شاشته، كحال الأخ سمير، وشخصي الفقير إلى ربه، زميلنا عبد الكريم قباني، الذي قدّم إلى التلفزيون الكثير، ويعرفه المشاهدون أكثر من معرفة الذين يتسيدون التلفزيون الآن. فإن قالت تلك الإدارة إن سميراً وشخصي خارج السودان، فلا نستحق التكريم ؛ بل حتى مجرد الذكر، فعبد الكريم قباني على مرمى حجر منها، فما حجة تجاهلها له؟ أما وقد كرّمت من الإذاعيين أمواتاً عليهم رحمة الله، فقد تعمّدت تجاهل آخرين، ومن أبرز من تجاهلتهم هذه الإدارة أبوبكر عوض، الذي كان إذاعياً بارزاً في سماء هذا التلفزيون، وأول من أنشأ به قسم العلاقات العامة، وهو قسم كان همزة الوصل بين التلفزيون والجمهور، وكان ذلك القسم يولي أي شخص؛ داخلياً كان أو خارجياً يزور التلفزيون غاية العناية والاحترام، ويقدِّم إليه ما يلزم من معلومات، بل يقوم باستضافته على شاشة الجهاز إن كان موضوع استضافة. وفي أيام ذلك القسم، لو استقبلت السيدة عفاف تاور وزملاؤها من النواب ما استدبروا من أيام، لما لحقت بهم إهانة الإهمال بعدم استقبالهم في مبنى التلفزيون من إدارته. وممن شملهم إهمال إدارة التلفزيون بعدم التكريم من موتى الإذاعيين محمد البصيري، وفضل أحمد فضل، وفهمي بدوي، وغيرهم عليهم رحمة الله. ومن موتى الصحفيين لم تكرِّم إدارة التلفزيون يحيى متوكل، أول رئيس لقسم الأخبار في التلفزيون وأبرز رئيس له، كما لم تكرِّم سيد علي بك، أول محرر ومترجم بذلك القسم، وكان قسماً ناجحاً جداً على الرغم من ضيق الإمكانات آنذاك. أما من قسم البرامج فقد أهملت إدارة التلفزيون؛ كبير المخرجين آنذاك أحمد عاطف، ومحمد دمتري البازار؛ الذي قضى زمناً طويلاً في ذلك القسم. ومن كبار المهندسين الذين لم تكرمهم إدارة التلفزيون، الرشيد ميرغني وهو على قيد الحياة أمدّ الله في عمره وعلى مرمى حجر منها، ومحمد علي أحمد حسن، وإسماعيل أحمد إسماعيل ،عليه رحمة الله وغيرهم. أما من كبار المصورين مثلاً فقد تجاهلت تلك الإدارة عوض عيد الذي ذكرتُ، ومحمد علي عبد القادر«كبسيبة» عليه رحمة الله، والفاتح دفع الله، والفاتح الزيلعي، وتجاهلت الإدارة محمد خالد وهو على مقربة منها. وتجاهلت الإدارة أناساً ممن عملوا مديرين لهذا التلفزيون، فهم: أحمد الزين صغيرون، ومحمود أبو العزائم والتجاني الطيب ومكي عوض النور وكمال الزبير وعوض جادين. إن إدارة التلفزيون التي لم تنسَ أن تكرِّم نفسها في ذلك الحفل، الذي كان من المفترض أن يكون لتكريم من كانت لهم سابقة التأسيس وسابقة العمل، تجاهلت من تجاهلت، وكأني بهذه الإدارة قد سلمت زمام قيادتها لمن اختاروا لها الأسماء، وتجاهلوا لها من تجاهلوا، إما لسوء طوية وإما لجهل، والعياذ بالله من كلا الأمرين، فقادوها إلى إقامة هذا التكريم الشائه، فانطبق عليها قول الشاعر: كبهيمةٍ عَمياءَ قاد زمامَها أعمى على عِوجِ الطريقِ الجائرِ