حكاوي ومآسي عديدة فرضت نفسها بقوة على واقع مواطني غرب الجزيرة والمناقل، خصوصاً في موسم الخريف حيث تتحول المنطقة إلى مستنقع كبير من المياه الآسنة والأمراض التي تتفشى وتتمدد في القرى والمجمعات السكانية. فالوصل والتواصل والتحرك هناك منقطع تماماً وأن الطريق الذي كان أملاً «وفجراً جديداً» للربط بين المناقل والقرشي بات من الأساطير وحكاوي المجالس التي يندب المواطنون فيها حظهم العاثر والفشل التاريخي لقياداتهم «الرخوة» أنابت عنهم في أجهزة التشريع والتنفيذ بالدولة، وأدمنت الفشل وأبدعت في رسم ملامح هذا الواقع المرير الذي يزداد مرارة وبؤساًً كلما تعاقبت الشهور والسنوات والطريق «الحلم» قابعاً في حفره وخيرانه يأبي أن يكون إلا وهما وخيالا. ولأن الطرق هي شرايين تبعث الحياة في التجمعات السكانية المتناثرة فإن غياب هذا الطريق اللغز «المناقل/24 القرشي/ أبو حبيرة» غابت معه حياة بكاملها تتجدد فيها المآسي ويشقى الإنسان هناك في سبيل الحصول على خدماته وحقوقه الأساسية. عشرات النساء في هذه المناطق فارقن الحياة وهن في مرحلة «الوضوع».. والأسر تبحث عن مشافي وعن إسعافات طبية غير أن المشفى الوحيد الصالح للاستخدام تفصله تلافيف المسافات عن أصحاب الحاجة والوصول إليه مستحيلاً لأن الحركة في ظل غياب الطريق المسفلت ما بين المستنقعات المائية والمجاري والترع والمزارع أمرا عسيرا تتحمل تبعاته أسر فقيرة تحتاج الى طريق سالك ليس فيه عثرات يوصلها الى المستشفيات والمراكز الصحية الكبيرة لإنقاذ امرأة حامل تريد أن تضع جنينها. وكم من حصاد المزارعين وإنتاجهم السنوي ضاع وتبدد وفقد قيمته المادية لأن السكة التي توصل إنتاجهم الى منافذ التسويق غير موجودة، وأن الوصول إليها ضرب من المغامرة، وهذا هو الخلل الحقيقي الذي تعاني منه الدولة في رسم خططها وإستراتيجياتها التنموية والاقتصادية ورغم أن دراسات الجدوى التي أجريت على مشروع طريق المناقل القرشي بطول «93» كيلو متراً أثبتت حقيقة المردود الاقتصادي والتنموي والإنساني الكبير الذي لا ينعكس خيره على المنطقة فحسب، وإنما حتى على المستوى القومي، ولو أن الدولة فكرت جيدا بعقلها لا بعواطفها السياسية لعجلت بانفاذ المشروع وبأسرع ما يكون..لا نعتقد أن الدولة لا تعي هذه الحقيقة فهي تعيها جيداً، ولكنها تتمنع وتتجاهل وتمارس الظلم والتهميش واللامبالاة، والقضية رغم أن هذا المشروع تحت رعاية النائب الأول. ولهذا فإن المنطقة تظل غارقة في أحلامها ما لم يجد هذا الطريق إرادة سياسية قوية يتكيء عليها.