تبدأ اليوم بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا، جولة جديدة وحاسمة بين السودان وجنوب السودان في إطار اللجنة السياسية الأمنية المشتركة، لحسم الموقف من المصفوفة المعدة لتنفيذ الترتيبات الأمنية بين البلدين، خاصة فك الارتباط بين دولة الجنوب وقطاع الشمال بالحركة الشعبية والفرقتين التاسعة والعاشرة.. والانتهاء من بحث النقاط الخلافية الأخرى بين البلدين مثل قضية الحدود و «14 ميل» والنزاع حول منطقة أبيي ...التي ستفتح بدورها الطريق كما تقول الخرطوم لنقاش بقية الاتفاقيات الثماني التي وُقعت في سبتمبر من العام الماضي بحضور الرئيسين البشير وسلفا كير. معروف في هذا الصدد أن الترتيبات الأمنية ومصفوفتها تتضمن محاور محددة وجداول زمنية وتوقيتات انتهى أجلها، وتحتاج لإعادة تصميم وترتيب من جديد، بالإضافة لتفاصيل فنية عديدة تحدد كيفية التطبيق، خاصة ما يتعلق بفرق الرقابة والتحقق والانسحابات المتبادلة من الحدود وإقامة المنطقة العازلة، وفك الارتباط ووقف الدعم للمجموعات والحركات المتمردة، وتسوية النزاع الحدودي، وسحب الجيش الشعبي قواته من المناطق التي يوجد فيها داخل الأراضي السودانية. ولم تفلح كل الجولات السابقة في حسم هذه القضايا، ويكمن ذلك في الآتي: 1/ توجد في دولة الجنوب ثلاثة تيارات رئيسة تتحكم في عملية صناعة القرار وتنفيذه، فأبناء مناطق شمال وغرب بحر الغزال من قبائل وبطون الدينكا المختلفة وخاصة دينكا ملوال، ينظرون إلى قضية «14 ميل» بوصفها ركيزة محورية في العلاقات الأفقية والرأسية التي تشكل ولاءها لجوبا، بالنظر للكثافة السكانية لهذه المناطق مقارنةً ببقية أجزاء الجنوب الأخرى، وتعتقد هذه المجموعات أن أية تسوية لا تأتي لصالح تبعية «14 ميل» للجنوب فيها إضعاف لهذه المجموعات السكانية وسلبها المنطقة، ولذلك ترى أن أي تنفيذ للاتفاق الذي أبرم بين الرئيسين وترتيبات وضع «14 ميل» سيكون خصماً عليها، ولا بد من تعويقه إذا لم يصب الاتفاق وتطبيقاته في صالحها.. كما تنظر إلى مصالح الدينكا بوجه عام في الجنوب. 2/ أبناء أبيي وهم لفيف قيادي داخل الحركة الشعبية ويمثلون لوبياً مؤثراً للغاية في القرار السياسي لحكومة دولة الجنوب وحركة العلاقات الخارجية والنشاط الدبلوماسي ولهم ارتباطاتهم الدولية القوية، لا يريدون أن تتقدم العلاقات بين الدولتين وتحسم وتنتهي حالة النزاع دون أن تحسم هذه القضية وتنتهي بضم أبيي لدولة الجنوب، ولذا تعمل هذه المجموعة التي تشكل تياراً ضاغطاً باستمرار على لجم تقدم أية مفاوضات بين الخرطوموجوبا وتعمل على تعويقها. 3/ هناك طيف يبدو متنافراً لكنه متناسق الأهداف، يضم القيادات ذات الأيديولوجيا المتشددة وتجار الحرب في الجيش الشعبي والقيادات السياسية ذات الارتباط الخارجي الوثيق، التي تخدم مصالح قوى دولية كبرى، هذا الطيف يمثل فسيفساء من مواقف سياسية ومنفعية، ويضم قادة عسكريين وأمنيين من استخبارات الجيش الشعبي ومن يستخدمون أبناء مناطق جبال النوبة في الحرب القذرة والسيطرة على الجنوب، ليس من رغائبهم تسوية الخلاف بين البلدين، ويعملون وفق أجندتهم على إفشال أي اتفاق وعدم تنفيذه ووضع العقبات أمام مركبته لمنعه من التحرك نحو نقاط التفاهم. إذا كانت هذه التيارات في دولة الجنوب تعمل على توفير الكوابح اللازمة لتعطيل الاتفاقيات بالرغم من معارضة قوية لبعضها من قبل الرأي العام هنا في الخرطوم، فإن ما يُقال عن مؤشرات وإشارات توفرت من ناحية قد تعجل بالاتفاق بين البلدين، لا يعدو أن يكون مجرد تخمينات على هامش مسار التفاوض، فمازالت هناك عقبات كأداء ربما لا يصلح أي عطار ما فسد من ظروفها وكيفياتها.. فالأمر متروك برمته لما يحدث اليوم في جوبا بالرغم من أن وفد اللجنة الفنية باللجنة السياسية الأمنية المشتركة أكرع بعض الجهات مشروباً مسكراً من التفاؤل بحدوث مفاجأة من العيار الثقيل.. فلننتظر لنرى ماذا سيحدث اليوم وغداً الجمعة.