للحكاية بقية: يروي بعضا منها/ رباب علي إن تقافز الاهتمام بالمشروع الحضاري من قبل القادحين والمادحين والجدل الكثيف الذي صاحبه منذ أن طرحته ثورة الإنقاذ بعد تبوئها سدة الحكم لقرابة ربع قرن يفتح أبواب القضية على مصراعيها مرة أخرى لتسليط مزيد من الضوء عليه وانعكاساته المختلفة ومعرفة جوانب النجاح والإخفاق على حد سواء.. ففي أكثر من مرحلة رفضت الحكومة ومنذ مفاوضات الإيقاد سنة 1994 حتى الآن القبول بأي شراكة وطنية تحفظ الوحدة الترابية للسودان مع الجنوب مقابل عدم تطبيق الشريعة والقبول بنظام علماني. وفي ظل الأوضاع الراهنة وبعد انفصال الجنوب وما يعتري السودان من توترات أمنية تضرب جنوب كردفان والنيل الأزرق وما يشوب الاقتصاد القومي من تدهور يرجح بعض المراقبين استحالة تطبيق المشروع الحضاري الذي كانت وما زالت تلهج به ألسنة القادة السياسيين في كل المحافل الرسمية والشعبية مما حدا بالقيادي بالمؤتمر الوطني د. أمين حسن عمر في إفادة لصحيفة «آخر لحظة» أن يؤكد أن كل مايدور عبارة عن حزمة اتهامات يسوقها الخصوم السياسيون وقال: الأمور لا تُطرح بالمطلق وإنما بالمقارنة لإنجازنا قياساً بما قام به الآخرون، ولكن مساعد الأمين العام لهيئة علماء السودان حيدر التوم خليفة لدى مهاتفته «الإنتباهة» يرى أن الخصومة السياسية ليست مبررًا لمصادرة حرية الآخرين فهي ضمن حراك المجتمع من خلال الحكم وآلياته ونظمه وهي آراء اجتهادية ضمن نطاق معطيات الواقع ومتطلباته وبيئته وما يحيط به من فقه النوازل والضرورة وليس الموروث فقط، وأشار إلى أن احترام الآخر إثراء وليس إضافة أو خصمًا على أحد.. وعاد د. أمين ليعرب بقوله إن حركة التاريخ تؤكد أن دور التيار الإسلامي في صعود وأن حركة التغيير والثورات التي يستهدفها العالم الإسلامي إنما يقودها الإسلاميون وهذا مخالف لادعاء المدعين بتراجع المشروع الإسلامي.. الحديث عن فكرة المشروع الحضاري ومقاصده جعلت حيدر التوم يشير إلى أنه باعتباره فكرة غير واضح وكذلك حدوده وملامحه وأهدافه ووسائله، وأن مقوماته الأولى التي قُصد منها إعادة صياغة الإنسان السوداني وفقاً للقيم الإسلامية قد فشلت وهناك تراجع فيها أي القيم بمعناها الشامل والتي تمثل الإسلام الحقيقي وارتكازه على جوهر المعاملة وتراجع القيم الفاضلة بتفشي الأنانية وغياب الإيثار والجشع والاغتناء وانتشار مظاهرالفساد والتغول على حقوق الآخرين، وأهم هذه الأشياء التضييق على مساحة الحرية. ويرى البعض أن حالة ارتداد فكري وفهم متشدد ومغلوط للدين ويتضح ذلك في تقديس آراء الفقهاء مما أدى لاتساع رقعة التفكير ونفي صفة التدين عن الآخرين، وأرجعوا تطبيق المشروع بشكل كامل لعدم تحقيقه مقاصده والوسائل المتبعة فيه وانقسام الآيدولوجية الحاكمة «المفاصلة» سياسياً وطغيان المشروع السياسي على التربوي..وهذا ما وصفه د. عبد الوهاب الأفندي في لقاء بقناة الجزيرة مطلع العام 2004م «بأنها ضربة قوية للمشروع بعد الانشقاق وإفرازها لتبادل الاتهامات من قبل قادة المشروع أنفسهم وإدانة المشروع كما أنه لم يستطع أن يجمع حوله ما يكفي من الدعم الشعبي بسبب الصراع مع القوى الشمالية الأخرى وأيضًا الصراع مع القوى الجنوبية مما رسخ رأيًا سالبًا لفكرة المشروع الإسلامي حتى الآن، وأضاف: هناك محاولات لإصلاح الأمر ولكن يبدو أن الوقت تأخر عليها». ولم يغفل مراقبون التأثيرات الخارجية على إنفاذ المشروع، ويقول مساعد الأمين العام لهيئة علماء السودان إن الظروف الدولية والحروب الداخلية أدت لإضعافه ووأده في بعض المعطيات، والصراع في نطاق الحكم ليس في من يحكم ولكن كيف نحكم، أيضاً ضعف الفهم العام للمستجدات العالمية وعدم التعامل معها فنحن اليوم كمن يدخل معركة تُستخدم فيها أحدث الاسلحة ونحن نحارب بالسيوف والحراب لذلك نحن بحاجة لتجديد فكرنا وفقهنا..