أعلنت الحكومة عزمها الجلوس مع قطاع الشمال بغرض الوصول معه لتفاهمات بسبب الأزمة الناشبة بينهما منذ انفصال الجنوب بحسب نتائج مقررات اللجان المتفاوضة أخيراً بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا، وجاء ذلك الحديث على لسان الفريق أول ركن عبد الرحيم محمد حسين وزير الدفاع رئيس وفد الحكومة لمفاوضات أديس، حينما قال عشية قدومه من أديس أبابا بمطار الخرطوم أمس الأول في تصريحات صحفية «إننا أكدنا لهم استعدادنا التام للجلوس مع قطاع الشمال ومحاورته لوضع حد للأزمة بينه والحكومة وفقاً لاتفاقية السلام الشامل وبروتكولات المنطقتين».. الخبر الذي اوجد ردود أفعال متباينة وسط السياسيين والحزبيين، وقد أكد بعضهم أن الوفد الحكومي تعرض لضغوطات كبيرة من قبل دولة الجنوب وأشياعها من دول الغرب المؤيدة بل والداعمة له في كل قضاياه. ولم يستبعد المتابعون لأجواء المفاوضات أن يكون الوفد الحكومي قد تعرض لضغوطات، بل هناك من أشار الى وجود مساومة في هذه المسألة. والسبب أن الحكومة أبدت موقفاً ثابتاً من المفاوضات مع قطاع الشمال سابقاً، كانت تؤكده في كل لقاء سياسي لها في كل المناسبات، الشيء الذي زاد حدة توقعات المتابعين بجانب بروز اتجاهات جديدة مؤيدة لهذا الحوار. ويقول عضو منبر السلام العادل الفريق إبراهيم الرشيد في حوار سابق، إن الشعب السوداني حسم مسألة مشروع السودان الجديد الذي تحمله الحركة الشعبية لتحرير السودان، وانتهى الأمر بتحرير الجنوب، وأصبح مشروعاً لا يمكن القبول به في السودان، وهذه من الأشياء التي أدركتها الحركة الشعبية في وقت مبكر، ورأت أنه لا يمكن أن يطبق. ولكنها رأت أنه يمكن إحياؤه من خلال قطاع الشمال، ولكنهم كانوا يعلمون أنهم لا يستطيعون إحياء الحركة الشعبية الا بواسطة التفاوض، لذلك سعوا لذلك. وأكيد تعنت حكومة الجنوب في المفاوضات كان له ارتباط وثيق بإحياء مشروع السودان الجديد من خلال قطاع الشمال، وهذا يؤكده سلوكهم المتمثل في دعم هؤلاء وتكوينهم الجبهة الثورية ودعمها، ومحاولتهم للحرب في تلك المناطق كانت تهدف لإضعاف الجبهة الداخلية وقدرات القوات المسلحة وأجهزة الأمن المختلفة لكي يجدوا موطئ قدم. وإذا لم يجدوه بالحرب فمن باب أولى ألا يحققوه إلا بشروط الدولة ووجهة نظرها، ويجب أن يكون التعامل مختلفاً عن مفاوضات نيفاشا، فهؤلاء يحملون فكراً يفترض أن يكون الناس في منتهي الوعي لمقاومته، ويجب أن يبنى أي تعامل معهم من بعد على هذا الأساس. فيجب مواجهة قطاع الشمال وكشف نواياه ومقاومته. ولا شك طالما أن أبناء المنطقتين النيل الأزرق وجبال النوبة يرفضون من يتحدث باسمهم، فإن القطاع في انحسار وسوف يهزم في النهاية. أما اللواء الأرباب فقد خالف سعادة الفريق إبراهيم الرشيد بقوله ل «الإنتباهة»: إن للحكومة استراتيجيات تعمل وفقها، ومن وجهة نظري إنه ومهما طالت الحرب فلا بد أن يجد الحوار طريقه للجانبين، لأن الحرب لا تنتهي أبداً الا بالجلوس للتفاوض والحوار، والحرب العالمية ما انتهت الا بالحوار. وفي ظل هذه التوترات لا بد من التفاوض، لأن الحكومة نفسها في رؤيتها التفاوض للوصول للحلول، والحرب ليست غاية بالرغم من انها وسيلة، الا أن الجلوس هو من يكمل حلقة حل المشكلات، ولكن يجب أن يحفظ الحوار للوطن حقوقه كاملة وللدولة هيبتها، مضيفاً أن القطاع ظل يعمل بإستراتيجية واضحة، وذلك بدعم خارجي سياسي ودعم لوجستي من أمريكا واوربا، ودعم عسكري من جنوب السودان. وفي نفس الوقت إستراتيجيته مستقاة من الإستراتيجية الامريكية في المنطقة، والغرض من ذلك تركيع النظام إن لم نقل إنهم يهدفون الى اسقاطه ليكون جاهزاً للجلوس وفقاً لشروط قطاع الشمال، بحيث في النهاية تتحقق الإستراتيجية الامريكية، لذلك ظلوا يضغطون على الحكومة لكي تجلس للمفاوضات. وأيضاً الحكومة ترى من الضرورة ألا تخلق مشكلات مع المجتمع الدولي خاصة مع القرار «2046» الذي وافقت عليه وفقاً لاتفاقية «نافع/ عقار» بأديس. وفي ضوء هذه المعيقات تخرج الحكومة على الاقل ان لم تكن منتصرة ألا تخرج منهزمة وتحقق بالتالي ما تهدف اليه بأن تحافظ على وحدة البلاد ومواقفها وتمنع ظهور الحركات المسلحة، وتوفر الأمن في دارفور والنيل الأزرق وأية منطقة. وأكد أرباب أن قطاع الشمال ظل يستفيد من اتفاقية نيفاشا التي أبرزت الكثير من السلبيات، بل أن وجود قطاع الشمال أحد سلبيات اتفاقية نيفاشا، باعتبار انهم لم يذوبوا لا في الجيش السوداني ولا في جيش الجنوب، فبالتالي هم يستفيدون من الأوضاع السالبة بالنسبة للاتفاقية، وهذه تتيح لهم فرصة الضغط على الحكومة بمساعدة بعض الدول. بينما عبر القيادي بالمؤتمر الوطني الدكتور إسماعيل الحاج موسى في حديث سابق ل «الإنتباهة» عن رفضه التام للحوار مع قطاع الشمال، بقوله: المسألة واضحة جداً، والرأي العام السوداني واضح جداً في هذا الخصوص وبمختلف منابره، فقد عبر عن رفضه التام لما يسمى قطاع الشمال والحوار معه، لأسباب كثيرة غير أنه يمثل فرعاً لحزب أجنبي، وهذا ممنوع وفقاً لكل الأعراف، وأيضاً لأنه يملك مليشيا عسكرية، الأمر الذي تمنعه المواد القانونية والمنطق كذلك. والقطاع هذا تحديداً كان هو السبب في كل المشكلات التي حدثت بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية، وكانوا عبارة عن خميرة عكننة ورأس الحربة في المشاكسات والمشكلات التي حدثت بين الشريكين، ويرى أنه ليست ليهم أية فرصة أخرى أبداً ليلعبوا دوراً في الساحة السياسية من جديد.