كانت بداية الإنقاذ استهلالاً بارعاً.. كانت ضربة البداية المعروفة في القصة الشهيرة التي بدأ فصلها الأول عندما دخل الشيخُ السجن حبيساً .. ثم انطلقت المباراة في شوطها الاول.. وبعد عشر سنوات «صفَّر» الشيخ معلناً انتهاء الشوط الاول.. ثم دخل الشيخ الاستديو التحليلي.. وكشف خطة اللعب.. وكان ما كان مما عرفه القاصي والداني وسارت به الركبان.. وكان ان حدثني من لا أثق في صدقه ان اليوم الثالث من ايام السجن في كوبر بعد انطلاق مسرحية «السجن حبيساً» كان قد شهد حواراً قصيراً بين سكرتير الحزب الشيوعي السابق محمد ابراهيم نقد ود. الترابي انتهي بجملة قال فيها نقد للترابي: «جاملتنا ثلاثة أيام.. كفاك ما قصرت امرق امشي علي ناسك ديل» لكن الشيخ لم يأبه كثيراً لما قال نقد ونفّذ السيناريو الموضوع كما هو فمكث في السجن بضع سنين. والشيخ يخرج من السجن .. ويخرج من الانقاذ .. وينفخ في الصافرة ويعلن انطلاق الشوط الثاني من المباراة. ومع انطلاق الشوط الثاني يخرج د. علي الحاج الى ألمانيا حبيساً.. ود. علي الحاج يبقى حبيساً في ألمانيا ويمكث في سجنه بضع سنين. وسيناريو الاحداث الذي تكتبه يد الأيام مقروءاً مع سيناريو الانقاذ الذي تكتبه يد الشيخ يأخذ الاستاذ علي عثمان الى القصر ويضعه في قلب الحدث .. ويأخذ علي الحاج إلى ألمانيا ويضعه على هامش الحدث.. ربما. مهما يكن من أمر فإن ما بين الدخول الرئاسي للقصر والدخول الاحتباسي لبرلين في نسخته الجديدة من شوط الإنقاذ الثاني، ما بين هذا وذاك مرت مياه كثيرة تحت جسر الإنقاذ. والإنقاذ تقف على أعتاب شوطها الثالث.. وربما ننتقل إلى ضربات ترجيحية من منطقة الجزاء .. أو من المناطق الثلاث. من المعالم البارزة واللافتة للنظر في مقدمة سيناريو شوط الانقاذ الثالث ما جاء في تصريحات د. علي الحاج بعد اللقاء في كلمات قليلة قال فيها الكثير المثير الخطر. قال د. علي الحاج محمد إن لقاءه بالأستاذ علي عثمان في برلين كان لقاءً اجتماعياً. وقال الأستاذ علي عثمان محمد طه في الخرطوم إن لقاءه بالدكتور علي الحاج يصح فيه ما قاله عنه الدكتور علي الحاج إنه كان لقاءً اجتماعياً .. أو كما قال. «لقاء اجتماعي» هذه عبارة غامصة حمالة أوجه، ويأتي غموضها من طبيعة اللقاءات الاجتماعية في السودان. في السودان يلتقي الناس في سرادق العزاء لقاءً اجتماعياً بالدرجة الأولى، لكن عند دخولك لأي سرادق عزاء تجد أن أول موضوع «اجتماعي» يطرح على بساط البحث بعد «الفاتحة» تجده موضوعاً يتناول آخر أخبار مباريات الهلال والمريخ!! واللقاء الاجتماعي في سرادق العزاء بعد أن يتناول مباريات الهلال والمريخ ويقتلها بحثاً وتحليلاً يعرج على موضوع «اجتماعي» مهم يتعلق بالسياسات الحكومية في شتى مجالاتها ويقتلها بحثاً وتحليلاً وتمحيصاً.. ثم يعرج على قضايا اجتماعية مهمة من صميم العمل الاجتماعي تتعلق بطبيعة وخفايا الصراع «السياسواجتماعي» في وزارة العمل والموارد البشرية، وكيف أن المجتمع السياسي يقف عاجزاً وحائراً أمام ظاهرة نشر الغسيل الحكومي في الهواء الطلق وفوق رؤوس الأشهاد.. وما هي الرؤية التفسيرية لهذا السلوك «الاجتماعي الحكومي» هل يدل على الشفافية وتمليك الحقائق للجماهير؟ أم أنه سلوك يدل على نشر فضائح الجهاز الحكومي في أعلى مستوياته وعلى الهواء؟ وإن إدارة وزارة حكومية اتحادية مهمة تتم بنفس طريقة إدارة اللجنة الشعبية لقرية «قدوم طير» الشهيرة والتي سبق أن حذرت أمريكا للمرة الأخيرة. هل سلوك أهل السودان في مجتمع العزاءات والمآتم سلوك مجتمع سياسي أم سياسة مجتمعية؟ وهل دخل الدكتور علي الحاج «محمد» على «الدكتور» علي عثمان «محمد» في غرفته في برلين وسلم عليه «بالخلافة» وقال له «قالوا متألّم شوية.. يا خي بعد الشر عليك»؟ هل دنا علي الحاج من علي عثمان وأمسك بناصيته ثم قال بصوتٍ هامس: بسم الله أرقيك.. اللهم يا شافي.. أنت الشافي.. لا شفاء إلّا شفاؤك.. اللهم شفاءً لا يغادر سقماً!! ثم جلس علي إلى جوار علي فمدّ علي لعلي علبة الحلوي التي بجواره وأردف بكوبٍ من العصير المثلج.. ثم سأل عليٌ عليّاً: كيف الأهل والأولاد؟ ثم خرج.. خرج وعاد إلى ضلاله القديم.. خرج مغاضباً وباحثاً عن الحريات الموءودة في بلاد السودان منقباً عنها في بلاد الالمان.. هل كان هذا هو السناريو؟ أياً كان السيناربو فإن كثيراً من التأويلات والآمال المعلقة على لقاءٍ عابر وحدثٍ غابر يبدو جلياً أنها تحمِّل اللقاء والحدث أكثر مما يُحتمل.. وإن الحالة النفسية لكثير من إخوان الصفا ممن قعدت بهم أشواقهم دون استيعاب الحدث وقراءة عبر التاريخ تأخذهم في حالة من الإسقاط النفسي وتدفعهم للتعلق بلقاء أو تأويلٍ لحدث قديم.. فيحملون أشواقهم القديمة وأحزان السنين على متن خروجٍ احتباسي إلى ألمانيا.. ودخولٍ رئاسي إلى القصر.