في بدايات الثمانينات، تحديداً عام 1983م، في عهد الرئيس ريغان، تمّ إنشاء منظمة (الوقف الوطني للديمقراطية) بتمويل كامل من الحكومة الأمريكية الفيدرالية. غرض إنشاء منظة (الوقف الوطني للديمقراطية) هو أن تقوم علناً بما كانت تقوم به سرّاً لعدّة عقود وكالة المخابرات الأمريكية (CIA). على سبيل المثال كانت أمريكا متورّطة عبر (CIA) في الإطاحة بالعديد من الأنظمة المنتخبة ديمقراطياً، كما حدث في إيران 1953م، غواتيمالا 1954م الكونغو 1960م، إيكوادور 1961م، بوليڤيا 1964م، اليونان 1967م، فيجي 1987م. لكن بعد إنشاء منظمة (الوقف الوطني للديمقراطية) أوكلت الحكومة الأمريكية إليها تلك المهام السريّة التي درجت CIA على القيام بها. وقد أبرز تلك الحقائق (وليم بلوم) في كتابه (الدولة المنبوذة... دليل القوة العظمى الوحيدة في العالم). تقوم منظمة (الوقف الوطني للديمقراطية) بعمليات التمويل عبر آلية من أربع جهات. حيث تمثَّل تلك الجهات الأربع من الناحية الفعلية آليات توزيع أموال (CIA) لتسليمها إلى المؤسسات (العميلة) المعنية، في داخل وخارج أمريكا. حيث تُستخدم تلك الجهات الأربع التي تتلقى أموال (الوقف الوطني للديمقراطية) بمثابة (غطاء) لانسياب الأموال إلى المشروعات الإستخبارية. حيث صارت منظمة (الوقف الوطني للديمقراطية) من الناحية الفعلية غاسل أموال CIA. تلك الجهات الأربع هي المعهد الجمهوري الدولي، والمعهد الديمقراطي الوطني للشؤون الدولية، والمركز الأمريكي للتضامن العمالي الدولي والذي يرتبط بعلاقة خاصة مع المعهد الأمريكي لتطوير العمل الحر (منظمة استخبارية)، والمركز العالمي للأعمال الخاصة، وثيق الصلة بالغرفة التجارية. ثمَّ تلك الجهات الأربع بدورها تقوم بتوزيع التمويل إلى المؤسسات المعنية في أمريكا وكافة أرجاء العالم. وهذه الأخيرة بدورها تقوم كذلك بتوزيع تلك التمويلات إلى منظمات أخرى. هكذا بطرق منهجيَّة ملتوية، في منظومات ومتواليات متعددة، أصبحت منظمة (الوقف الوطني للديمقراطية) منغمسة في الشؤون الداخلية لدول العالم الخارجي. حيث تنشط في توفير التمويل و الخبرة الفنية والتدريب والمواد التعليمية وأجهزة الحاسوب وماكينات الفاكس وآلات التصوير (الناسخة الفوتغرافية) والسيارات وغيرها. حيث يتمّ تقديم ذلك كلّه إلى الجهات المنتقاة الموالية للسياسة الأمريكية، من جماعات سياسية ومنظمات مجتمع مدني واتحادات عمال وحركات متمردة ومجموعات طلابية وناشري كتب وصحف سياسية ووسائل إعلام أخرى، وغيرها. في ذلك السياق في الفترة من 1994 1996م قدّم (الوقف الوطني للديمقراطية) خمس عشرة منحة بلغت جملتها (2.5) مليون دولار إلى المعهد الأمريكي لتطوير العمل الحرّ. وهو عبارة عن منظمة (استخبارية) درجت (CIA) على استخدامها لعقود لقمع النقابات التقدمية. يعمل المعهد الأمريكي لتطوير العمل الحر (AIFLD) من خلال نقابات العالم الثالث لتثبيط الروح الثورية في النقابات. و تبرِز العلاقة بين (الوقف الوطني للديمقراطية) و(المعهد الأمريكي لتطوير العمل الحر)، بوضوح حقيقة جذور (الوقف الوطني للديمقراطية) الضاربة في ال (CIA). وقد قام (الوقف الوطني للديمقراطية) على نطاق العالم بتمويل المنظمات العمالية التي تنتمي إلى اليمين السياسي والوسط السياسي لمحاربة النقابات التي تدافع بحرارة عن حقوق العمال. وذلك كما حدث في فرنسا والبرتغال وأسبانيا، ودول أخرى، على سبيل المثال في فرنسا قام (الوقف الوطني للديمقراطية) خلال فترة 83 - 1984م بتقديم التمويل والدعم المالي لمنظمات الأساتذة والطلاب التي تأخذ شكل النقابات، لمحاربة نقابات الأساتذة اليساريين. في هذا السياق تمّ تقديم التمويل لقيام سلسلة من السمنارات وطباعة أوراق الدعاية (بوسترز) والكتب والمطبّقات الورقية مثل ( التهميش ولاهوت الثورة) و(الحياد والحرية). الحياد يعني (غير منحاز في الحرب الباردة). وفي أحد برامج (الوقف الوطني للديمقراطية) لعام 1997 1998م كان التركيز على يوغسلافيا حيث ظلّ المعارضون لحكم الرئيس (سلوبودان ميلوسيفتش) يتلقون لعدّة سنوات تمويل (الوقف الوطني للديمقراطية). في يوغسلافيا عمل (الوقف) على ما أسماه تحديد العراقيل أمام القطاع الخاص لإزاحتها، وذلك على الصعيد المحلي والفيدرالي في جمهورية يوغسلافيا الإتحادية. في يوغسلافيا، وغيرها، باختصار شديد ظلت برامج (الوقف الوطني للديمقراطية) تعمل في تناغم مع أساسيات وأهداف (العولمة الإقتصادية) التي طرحتها السياسة الأمريكية تحت مسمَّى (النظام الدولي الجديد). وفي1984م حدث كشف آخر لجذور (الوقف) الضاربة في ال (CIA)، عندما قدَّم (الوقف الوطني للديمقراطية) التمويل لدعم مرشح للرئاسة في (بنما)، كان مدعوماً بدوره من (مانويل نورييغا) وال (CIA). لكن ليست انتخابات (بنما) الرئاسية هي الوحيدة التي تدخلت فيها بصورة مباشرة تمويلات (الوقف الوطني للديمقراطية)، ولا دول أوربا أو أمريكا اللاتينية هي الوحيدة التي ظلت مسرحاً لأموال (الوقف الوطني للديمقراطية). بل السودان كذلك يقع في مركز اهتمام (الوقف)، كما ظلّ مسرحاً لتمويلاته!.