شهدت مدن شمال كردفان وجنوبها أحداثاً خطيرة من فئة مجرمة ضالة مرتدة عن دين الإسلام، دين آبائهم وأجدادهم. اعتدت العصابة الظالمة الكافرة خادمة اليهود والصهيونية العالمية على الأنفس فأزهقتها وعلى الأعراض فهتكتها وعلى الأموال فنهبتها وعلى الممتلكات فأتلفتها. أعمال همجية بربرية وحشية لا إنسانية ولا أخلاقية روعت المسلمين الآمنين في بيوتهم، والأطفال حفظة كتاب الله في خلاويهم، والموظفين في أماكن عملهم، والعمال في معاملهم، والتجار في متاجرهم، والمواطنين العاديين من الشيوخ والنساء والولدان الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلاً. كانت هذه المدن آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من كل مكان، وكانت هذه المناطق غنية بمواردها الذاتية يعيش أهلها في أمن وسلام واستقرار. لقد عملت في هذه المناطق عامي «66 و 67» من القرن الماضي بحثاً عن الماء في هيئة استثمار الأراضي والمياه الريفية. نجوب مدن كردفان الكبرى ليلاً ونهاراً وأوقات السحر، فما كنا نخاف على أنفسنا بل كنا نُقابل من المواطنين الوادعين الطيبين بكل ترحاب، فمن أين جاءت هذه النوازل فأحالت المنطقة من دار سلام إلى دار حرب؟ أقول لكم السبب: منذ نهاية الحرب العالمية الأولى واليهود يخططون لإقامة دولتهم الصهيونية على أرض فلسطين، سعى مفكروهم إلى خطة شيطانية وضعها اليهودي الأمريكي ذو الأصل البريطاني لويس برناردو، تقضي بتقسيم العالم الإسلامي إلى دويلات وكانتونات على أسس دينية أو مذهبية أو عرقية أو قبلية وإشعال الفتن وتسعير نار الحروب الأهلية لتمزيق بلاد المسلمين شر ممزق. وكان السودان من أوائل الدول المرشحة للتمزيق والتفتيت استغلالاً للتنوع الإثني والقبلي والديني، فبدلاً من شعار المسلمين وحدة في تنوع وتنوع في وحدة رفع الأعداء شعارات الفتنة للإفساد في الأرض وإهلاك الحرث والنسل. فكان ما كان لا أزيدك علماً. السودان استهدف انتقاماً لمساندة دارفور الإسلامية بقيادة المجاهد على دينار، الخلافة الإسلامية ومناصرتها ضد الحلفاء في الحرب العالمية الأولى، وتمرد هذه الولاية القرآنية على سلطات المستعمر الكافر مدة ستة عشرعاماً. لتنفيذ خطة تقسيم بلاد المسلمين وتمزيقها إرباً إرباً لا بد من تعهد فئة من أبناء بلاد المسلمين وتربيتهم تربية خاصة على مبادئ العلمانية اللا دينية وفرض مناهج كفرية اشتراكية مصادمة للإسلام وقيمه وتعاليمه، بل كما نعلم انشأ نصارى الشام ومليونيرات اليهود العرب أحزاباً معادية للدين، فكان أن رعى المليونير اليهودي هنري كورويل وزملاؤه الأحزاب الشيوعية الإلحادية ونصارى الشام أحزاب البعث لإبعاد الدين عن الحياة وتمزيق البلاد على أيديهم كما هو حادث الآن في العراق وسوريا نتيجة حكمهم. الأحزاب اللا دينية لا تقيم للإنسان وحياته وزناً لأنهم لا يقيمون لخالق هذا الإنسان وقاراً، فالقاعدة عندهم بعد أن تثقفوا بثقافة الماسونية ذراع اليهود لإفساد العالم هي مشاعية الجنس ومشاعية المال، لذلك نراهم باسم الثورية يمارسون كل سوءة من قتل وذبح وسفك للدماء ونهب للأموال وهتك للأعراض وتخريب للمنشآت وإيجاد حالة من الهلع والفزع والجزع. إنهم قادة ما يسمى الجبهة الثورية ينفذون تعاليم ماركس ولينين ويسيرون على خطى ستالين وتروتسكي أكثر الشيوعيين دموية وفساداً. اليوم نرى أننا لا نستوعب الإسلام كأولئك السلف الصالح الذين جابهوا اليهود والمشركين دون أن يلدغوا من جحر واحد أكثر من مرة كما نحن. لذلك ترانا نلطم الخدود ونشق الجيوب ونفقد حتى الرشد عند كل اعتداء. هذه الحركة الشعبية وهي حركة ضد الشعب ومنذ نشأتها تستهدف أول ما تستهدف خلاوي القرآن ومدارس القرآن والمساجد والأماكن التي يذكر اسم الله كثيراً والمنشآت المرتبطة بحياة الناس الروحية والمعاشية. والسؤال هل كان هؤلاء الأعداء مستترين لا نعرفهم ولا نعرف شرورهم. إنني أعترض إعتراضاً وبقوة على طريقة إدارة الخلاوي ومدارس القرآن في السودان، إنها طريقة عقيمة غير مستوعبة لأهداف وغايات القرآن ككتاب للمسلمين والإسلام كدين للمؤمنين. لو كانت هذه الخلاوى والمدارس قائمة على أسس التعاليم والمبادئ الإسلامية الواقعية لعرفنا أنها كلها معرضة للهدم والتخريب، وأن روادها معرضون للذبح والإبادة ما دام يذكر فيها اسم الله بالغدو والآصال وبالعشي والأبكار. وإذا كنا نعلم لقمنا بواجبنا نحو الهدامين السفاحين بالاستعداد بالقوة اللازمة التي تردع المجرمين الخائنين، هل طبق أهل القرآن الآية: «وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا » هل نزَّلوا الآيات التي تحذرهم أرض الواقع: «وَلْيَأْخُذُواْ حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُم مَّيْلَةً وَاحِدَةً». إن الله أراد ألا يكون حملة دعوته وحفظة كتابه وحماة عقيدته تنادلا كسالى يطلبون النصر من عنده تعالى وهم قعود يؤخذون على حين غفلة. هل يظن هؤلاء أن النصر سيتنزل عليهم لمجرد أنهم يقيمون الصلاة ويتلون القرآن؟ هذه ليست مؤهلات النصر، بل هي زاد الطريق فقط. أما المؤهل الحقيقي للنصر فهو الجهاد والاستعداد بالقوة والتدريب على القتال. إن أهل القرآن هم المكلفون بحماية المساجد والخلاوي والمدارس القرآنية وأماكن الذكر. إن حفظ القرآن وتلاوة القرآن ليست حرفة أو مهنة وإنما كل مؤمن مكلف بأن تكون ثقته بالقرآن وصلته لتطبيق تعاليمه وتحقيق غاياته وتمكين دين الله في الأرض، ولن يتحقق ذلك إلا بالجهاد والجهاد المر تحملونه تضحية. لا نريد القرآن علماً يحمل ولكن نريد القرآن علماً يستعمل. إن كنا حقاً حفظة قرآن فلنتأسى بحملة القرآن في أفغانستان. فطالبان هم طلاب المدارس القرآنية وهم الذين أزالوا دولة السوفيت من الوجود ويقاومون أكثر من ثلاثين دولة صليبية بقيادة أمريكا لمدة اثني عشر عاماً، وعلى حفظة القرآن أن يقتدوا بحفظة القرآن في غزة الذين هزموا اليهود وألحقوا ببلادهم العار. إننا كأمة مسلمة مجابهون بابتلاءات كثيرة متنوعة وعلى شباب ورجال ونساء هذه الأمة أن يعيشوا حالة رباط وصبر ومصابرة وتقوى «يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله». ليس في الإسلام هذا ملكي وهذا مدني وذلك عسكري، إنما الجميع جنود مدربون للقتال وقت الحرب وكلهم عاملون مخلصون لإعمار الأرض في أيام السلم، هكذا كان الإسلام الحق أيام السابقين الأولين. فأين نحن من الإسلام؟ علينا أن نعيش حالة الرباط لأننا مستهدفون وحالة التعايش مع القيم الربانية الطاهرة التي لا يعرفها أصحاب المصالح الدنيوية ومحترفو الألاعيب السياسية وطلاب المناصب والجاه والشهرة والأضواء الكاشفة. أهم هذه القيم هي المحبة في الله وهي الإخوة في والله وهي الطريق إلى الجنة: يقول الرسول القائد صلى الله عليه وسلم «والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا» صاحب اليقين لا يخاف الدوائر ومن يسير على طريق الجهاد لا يستوحش الطريق لقلة أهلها.