على مسؤوليتي لا يوجد شخص واحد اختار الاغتراب طواعية.. هناك آلاف الأمثلة والشواهد، سأكتفي بتجربتي الشخصية: ابنتي كانت متفوقة جداً منذ طفولتها المبكرة وكانت أمنيتها دراسة الطب، وكانت الأولى على قريناتها حتى في الصف الثالث الثانوي أحرزت المركز الأول على كل الصفوف بالعلامة الكاملة.. وعند تغيير السكن كنا نجد صعوبة بالغة لإقناع إدارات مدارسها المتمسكة بها لنقلها إلى مدرسة قريبة للحي الجديد.. وأخفقت في امتحان الشهادة العربية بإحرازها نسبة صادمة (98.6%) لظروف قاهرة حدثت قرب الامتحانات تتمثل في مرض إحدى قريباتها المقربات وكانت تلازمها المشفى أحيانًا ما غيّرت من نظام نومها ومذاكرتها مع نوبات بكاء مستمرة، زادها إغماء إحدى زميلاتها العربيات في أول يوم عند امتحان الرياضيات وهي المادة الأولى والمحببةً لها ظلت بجانبها فترة حرمتها من تكملة السؤالين الأخيرين كانتا الأسهل لانتهاء الوقت.. فبكيت أنا بدوري لأنها لم تكن الأولى على المملكة.. قدمت الطب في جامعة الخرطوم والجزيرة وأمدرمان الإسلامية فقبلت بجامعة السودان كلية العلوم الطبية التشخيصية.. ولأن جامعة الأحفاد كانت لها اتفاقية الجنتلمان مع جمعية الصحفيين السودانيين بالرياض ومنحها مقاعد عدا كلية الطب، وبتوصية للدكتور قاسم بدري كان الرسوم بعد التخفيض خمسة آلاف دولار سنوياً.. وبتوصية أكبر لجامعة الرباط زاد ألفاً ليصبح ستة آلاف دولار في السنة.. جامعة دنقلا منحت أيضاً ثمانية مقاعد لثماني كليات لأبناء الولاية الشمالية فكان الطب نصيب ابنتي الأعلى نسبة لكن ذلك جاء متأخراً بعض الشيء أي بعد قبولها بجامعة القاهرة طب قصر العيني أقدم وأعرق كلية طب في الشرق الأوسط وإفريقيا أُنشئت (1827م) في أبو زعبل ثم نقلت إلى «قصر العيني» في السنة «1837م».. وبخمسمائة دولار في السنة الأولى، ونصف المبلغ بدءاً من السنة الثانية حتى التخرج بمعنى أن المبلغ الإجمالي «1750» دولار للسنوات الست.. وهي الآن ولله الحمد تدرس بالمستوى الخامس، بعد هذا السرد من يرفض الآخر الوطن أم المواطن!! ٭٭ كلام من خشب: تذكرت كلام الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي (الآن فهمتكم.. فهمتكم) عندما أقر د. كرار التهامي وقال: هناك مشكلات تواجه أبناء المغتربين في الجامعات السودانية.. بدري!! ياما كتبنا وكاد مدادنا يجف لكن المسؤول لا يقرأ.. حدث عطب كبير بقطار الشوق رقم «30/35» المقل لأكثر من (20) ألف جميعهن يحملن المؤهلات المرموقة من وزيرة وطبيبة وصيدلية ومهندسة والمتجه للمدينة المعدة لإقامة زواجهن الجماعي.. المؤسف أن العطل كان في مكان لا نهر فيه ولا شجر ولا طير ولا حجر ولا حياة ولا نشور.. بين نمرة «30 و35» والغريب والعجيب أن ثمة علاقة بين رقم القطار والمحطتين وأعمار الركاب التي تترواح بين «30 35» عاماً أي أواخر سن العنوسة.. العطل كان كبيراً وإمكانية الإصلاح كان مستحيلاً، بعدها أطلقت إحدى الطبيبات صرخة أقوى من دوي صفارة القطار قائلة: خذوا لقبي وكل شهاداتي وأعطوني زوجاً!! ٭٭ كلام من دهب: فخامة المشير البشير بح صوته في الكثير من المناسبات ومنذ عدة سنوات مؤكداً بأن يعامل المغتربين وأسرهم معاملة أقرانهم داخل الوطن لهم ما لهم من الحقوق وعليهم ما عليهم من الواجبات، حتى رسوم الأبناء بالعملة المحلية.. لا عقبات تعترض طريقنا ولا مشكلات تواجهنا إذا نفذ المسؤولون أوامر وقرارات الرئيس بحذافيرها، لنرتاح وقبلنا المحللين والمنظرين.