إذا أخذنا نحصي بالأرقام ونحسب بالمنطق في السودان أعداد المنظمات الوطنية الطوعية العاملة في المجال الخيري، سنصاب بالدهشة والحيرة من هول الأرقام الفلكية الكبيرة التي سنحصيها، سنجد أنها أكثر من شعر الرأس، وزيادة من أعداد السكان، وتتفوق بالغلبة الساحقة على لفيف الفنانين الفكة الذين نشروا الفوضى وافسدوا الذوق العام، وسنكتشف بالصدفة «قصاد» كل مواطن سوداني منظمة خيرية، الأمر الذي يدعو للتساؤل في جدوى الغرض الأساس من تفاقم مثل هذه الظاهرة الجديرة بالدراسة والتمعن ؟.. ذلك لأن هذه المنظمات لا حس لها يبرر وجودها ولا خبر يضفي عليها شرعية ما نهضت عليه من أعمال الخير، إنها مجرد أسماء رنانة تستعطف «الممولين» وتخدع الفقراء والمساكين، وتدير أنشطتها ألخيرية على ساحات الوسائط الأعلامية وفي الأحياء الراقية بالعاصمة المثلثة، وتنسى تمامًا اليتامى والمحتاجين في الأحياء الطرفية التي تبعد عن مركز الخرطوم، ولا تتذكر بالمرة طلاب الخلاوي والنازحين في المناطق النائية بالولايات، في الوقت الذي تدَّعي فيه القيام بأعمال الخير، وبموجب ذلك تحصلت على التصديق من السلطة المختصة حتى تملأ الفراغ الاجتماعي الضعيف الذي قد ينشأ بفعل الكوارث المؤقتة والطارئة التي قد تهبط فجأة على رأس المجتمع، ما يتنافى الآن والرسالة التي تؤديها هذه المنظمات، ففي أكثر من محفل خيري يستقطب اهتمام كل المنظمات لكي تقوم بمهامها الانسانية تجاه الضحايا المفترضين فإنها تتقاعس عن الحضور وتترك الفراغ العريض لتشغله المنظمات الأجنبية وإذا استفسرنا القائمين بأمر هذه المنظمات عن حجة الغياب، فسيكون الرد ببساطة أنهم يعانون من ضيق ذات اليد ؟.. وطالما كذلك، فلماذا، إذًا التحشر فيما لا يستطيعون من أعمال الخير التي تحتاج إلى سعة ذات اليد؟ .. هل المسألة «شوفونا» والسلام؟ أم صحيح ما يشاع أنها أنشئت بغرض تجاري بحت؟ فالهمس الذي يدور حولها في مجالس المدينة يتحدث صراحة عن أنها «حصان طروادة» الذي يتستر من خلفه التجار، فهي واجهات قانونية تغطي استيراد السيارات، وتسهل لدخول «كرفانات» الأجهزة الالكترونية الحديثة، وتستغل أسماءها الخيرية في الخارج خاصة في دول الخليج العربي كغطاء إنساني شفاف يقنن فهلوة التسول ويرسخ لتقنية «الشحده»، ويقول البعض إنها تعمل في الممنوعات ويشطح الكثير ويتهمها بالمضاربة في بورصة اللحوم البيضاء... وازاء كل هذا لا تفتأ السلطة المختصة على اصدار التصاديق الرسمية لكل من أراد الولوج في الدنيا الواعدة لهذا المجال، كأنما السلطة تحقق النتائج المرجوة من وجود مثل هذه المنظمات، في حين يفترض في مسجل عام منظمات العمل الطوعي والانساني المعين بموجب المادة 22«1» أن يطبق أحكام الفصل الثاني من القانون ويقوم بالغاء تسجيل هذه المنظمات التي تخالف اللوائح، ففي القانون يجوز للمسجل الغاء تسجيل المنظمة الوطنية او الاجنبية او الخيرية او منظمة المجتمع المدني المسجلة بموجب احكام القانون اذا: تم الحصول على التسجيل بالتزوير أو بطريق الغش أو بناءً على معلومات غير صحيحة. «ب» خالفت المنظمة غير الحكومية أو الخيرية أو منظمة المجتمع المدني أحكام هذا القانون أو اللوائح أو أى قانون آخر سارى المفعول. «ج» فشلت المنظمة المعنية دون مبررات مقبولة فى ممارسة أنشطتها لمدة عام كامل. «د» استخدمت المنظمة العون الانسانى للحصول على مكاسب غير مشروعة. «ه» تقدمت المنظمة بقرار من جمعيتها العمومية بطلب لاعتماد حلها اختيارياً أو إلغاء تسجيلها. ولا اعتقد أن منظمة خيرية سودانية بكامل وعي جمعيتها العمومية ستقوم بتطبيق الفقرة الأخيرة من أحكام القانون، لسبب بسيط هو أنها حصلت على التسجيل بناء على معلومات غير صحيحة وأنها تخالف احكام القانون وفشلت في ممارسة انشطتها لمدة اعوام لا عام، كما أنها تستخدم العون الانساني على مكاسب غير مشروعة...