قصة واقعية تكتبها في حلقات فوزية حسين حملت الطعام الى «منى».. كانت لا تزال مضطربة، تقلب في عينيها ونفسها يعلو يهبط.. وضعت العصير الى جانب الطعام وأخذت أهدئ من روعها.. يا منى يا أختي قولي بسم الله الرحمن الرحيم.. كل مشكلة عندها حل.. تناولي الطعام.. كانت لا تزال تردد، بيضربني، بيضربني كل يوم، ثم أخذت تتناول الطعام بنهم ظاهر فتركتها ورجعت الى ضيوف الصالون... كان القنصل ومن معه منهمكون في الحديث مع زوجي، بالتأكيد في أمور كلها تدور عن منى وزوجها.. تحولت أنظارهم جميعًا ناحيتي فور دخولي.. وبادرني القنصل قائلاً: كيف حالها؟ كيف هي الآن؟.. فقلت: الحمدلله لقد هدأت والآن هي تتناول الطعام.. صمت قليلاً وهو يضع يده على وجهه ويحرك رأسة بأسف وحزن.. ثم بادرني مرة أخرى قائلاً: كيف هي طبيعة حياتها؟ منذ أن سكنوا الى جواركم؟.. فقلت: إنهم سكنوا الى جوارنا منذ حوالى شهر أو أقل بأيام تقريبًا، وهي تزورني دائمًا، ولكنني لم أدخل شقتها حتى اليوم، لذلك لا أستطيع أن أعرف طبيعة حياتها.. وظهرت الدهشة والاستغراب على محيا الجميع وأولهم القنصل الذي يبدو أنه قد فوجئ بردي، وقال بنبرة المدهوش: جيرانك؟ ولم تزوريهم؟ ولكنني أزلت دهشته قائلة: أنا في فترة وضوع، وقد وضعت مولودي منذ أقل من شهر، لذلك كانت ولا تزال تقوم بزيارتي هي دائمًا.. هنأني القنصل بالمولود وهنأ زوجي بعد أن زالت دهشته واستغرابه، وكذلك فعل الحاضرون، ثم عاد وسألني: هل لاحظت عليها أي تصرفات غير طبيعية؟ فأجبته بأنني ومنذ زيارتها الاولى لنا لاحظت عليها أشياء غريبة، فهي كانت أحيانًا لا تتحدث أبدًا وحينما أسألها تكون اجابتها بنعم أو لا، وأحيانًا اراها غارقة في الضحك لوحدها، وتتكلم بصوت خافت لوحدها، في بادئ الأمر كنت أحسبها تخاطبني ولكنني اكتشفت أنها تخاطب أشخاصًا أو شخصًا غير موجود، وبدأت أخاف منها، فقال القنصل: مسكينة، كان عليك أن تعطفي عليها لا أن تخافي منها، فأوضحت له بأنني لا أعرفها ولا أعلم ما بها، لدرجة أنني لم أكن أترك صغيري معها في الغرفة، وكنت أحمله معي حتى الى المطبخ، كانت هي تأتيني عادة في حوالى الساعة الواحدة ظهرًا، فأقوم بإعداد الطعام لها ولصغيرها الذي لم يتعدَّ العشرة أشهر.. كان القنصل يستمع اليَّ ويدون في مذكرة يحملها، ثم سألني عن زوجها.. وعن طريقة معاملته لها، فقلت: إنه يعاملها معاملة طبيعية، وكان يقوم بتنبيهها في بعض الأحيان، ويطلب منها أن تتحدث وتشارك في الحديث، وألّا تظل صامتة، وللحق كان يعتني بالصغير كثيرًا، فهز القنصل رأسه وقال: حينما أحضرها أخونا عبد الله الينا، كانت تتساءل عن السفير، فقلت لها: أنا السفير، وقد لاحظت من لبسها ومظهرها، وطريقة حملها لوليدها وتسارع كلماتها وزوغان نظراتها، أنها لا بد بها شيء، وأنها ليست على ما يرام، فطمأنتها وأجلستها وطلبت لها الطعام، ثم سألتها بعدها قائلاً: أنا السفير يابنتي، أأمري، فأخذت تقص عليَّ قصصًا وروايات عن رجال ونساء وأطفال يقومون بضربها، وعن أصوات تصدر من أنحاء الشقة، كانت على ما يبدو قصصًا من نسج خيالها.. فعملت على تطمينها وأننا سنقف الى جانبها وسنأتي بهؤلاء الرجال والنساء ونحاكمهم، ثم اتصلت باختصاصي نفسي وطلبت منه الحضور لمعاينتها... يتبع...