كنت قد كتبت وتحدثت من خلال الأجهزة الإعلامية المختلفة قبل أكثر من عامين حول البيوت المحمية وارتفاع أسعار الطماطم والخيار وغيرها من منتجات البيوت المحمية. وهأنا ذا اليوم بعد أن تضاعف عدد البيوت المحمية عشرات المرات أطرق نفس الموضوع من نفس الزاويا التي طرقتها من قبل، حيث بدءاً لا بد من بعض التساؤلات لماذا ندعم ونشجع زراعة البيوت المحمية؟ وما هي المكاسب التي يتحصل عليها المستهلك من دعم البيوت المحمية، علماً بأن المستهدف الأول هو المستهلك. وكما ذكرنا من قبل فإن ثقافة البيوت المحمية جديدة على السودان، ولا تتدرج بصورة علمية في مقررات دراسة الزراعة في الجامعات السودانية، بالإضافة إلى أنه ليست هنالك تجارب سابقة في هذا المجال، ثم أن الهدف الأساس الذي من أجله قامت هذه البيوت المحمية هو إنتاج محصولات زراعية في غير مواسمها المعروفة، ويتم الإنتاج بصورة مكثفة بأقل تكلفة.. وهنا يأتي سؤال هل نحن نحتاج إلى البيوت المحمية في الإنتاج الزراعي؟ وما هي المحصولات التي نحتاج لها خارج المواسم؟ ويأتي سؤال آخر هل في السودان أماكن ذات طقس معتدل يمكن أن تستزرع فيها تلك المحصولات في غير موسمها في أماكن الاستهلاك الكبيرة مثل العاصمة؟ وهل هنالك أصناف من تلك المحصولات يمكن زراعتها في الصيف في الحقول المكشوفة؟ الإجابة على كل الأسئلة السابقة معلومة لدى كل الناس، حيث يمكن زراعة الأصناف الصيفية من الطماطم بالذات، وهنالك مناطق ذات مناخات معتدلة في الصيف والخريف في غرب وشرق البلاد والنيل الأزرق يمكن أن تنتج فيها الزراعة الصيفية بصورة جيدة. لكن نحن الآن جعلنا إنتاج البيوت المحمية واقعاً حياً يعتمد عليه سوق الخضروات في فصل الصيف خاصة إنتاج الطماطم والخيار، فما هو المطلوب من هذه البيوت المحمية؟وهل هي فقط لتحقيق أرباح لبعض فئات المجتمع المحدودة أم هي لتوفير سلع صحية وآمنة للمستهلك بأسعار معقولة؟ الواقع يقول غير ذلك، حيث أسعار الطماطم في ارتفاع جنوني يتفاوت بين «15 20» جنيهاً للكيلو الواحد، ورغم ذلك ليست هنالك رقابة واضحة لضبط وترشيد استعمال الكيميائيات من مبيدات وأسمدة وخلافه في هذه البيوت المحمية، علماً بأن هذا النوع من الزراعة تستعمل فيه المبيدات بكثافة، وكما هو معلوم فإن استعمال المبيدات محكوم بجرعات محدودة وفترات زمنية محددة، وطبعاًً أنواع محدودة من المبيدات، وإذا اختلت أية واحدة من هذه الضوابط فإننا نعرض المستهلك لمخاطر صحية كبيرة. فنرجو تكوين فرق إرشاد ورقابة دائمة يكون مقرها مناطق الإنتاج تشرف على استعمال الكميائيات في هذا النوع من الزراعة، علماً بأن معظم العاملين في هذا المجال تنقصهم الخبرة والمعرفة باستعمال المبيدات والمخاطر المترتبة على سوء الاستعمال. وبنفس القدر لا بد من تمليك المستهلك المعلومة الكافية عن تكلفة الإنتاج وإن تقوم الجهات المسؤولة بنشرها على أوسع نطاق حتى يمتلك المستهلك المعلومة، وحتى لا تكون هذه البيوت المحمية اداة لاستغلال حاجة المستهلك والتحكم في سعرها في السوق. ومع دخول فصل الصيف واقتراب شهر رمضان المبارك، بدأت بوادر الندرة تظهر في سوق الخضروات، وارتفع فجأه سعر الطماطم من جنيهين للكيلو الواحد الى «10» و «12» جنيهاً، وبالتأكيد مع دخول شهر رمضان سوف يكون السعر أكثر من العام الماضي، حيث بلغ سعر الكيلو قرابة العشرين جنيهاً، وهنا من واجب وزارة الزراعة أن تنشط الرزنامة المعمول بها في توفر البرتقال من خارج السودان في موسم الندرة، مما يعمل على تركيز أسعاره وتوفيره بصورة ملفتة، ومع قدوم هذا الشهر الكريم نناشد وزير الزراعة أن يعمل الرزنامة في فتح الاستيراد للطماطم والخيار خلال شهر رمضان بكميات محدودة توفر هذه السلع للمستهلك بأسعار معقولة دون المساس بصالح المنتجين، ودون التفريط في حق المستهلك في إيجاد السلع المهمة خاصة الطماطم التي ما عادت سلعة كمالية، فهي وجبة كاملة عندما يتم خلطها بالدكوة والجبنة والفول وخلافه. وأخيراً نرجو ألا يكون انتشار الزراعة المحمية على حساب المنتج الزراعي التقليدي الذي يجب أن يدعم بالمال والمعرفة والتقنية الحديثة، فهو الذي يمتلك الخبرة ويعرف إدارة الأرض والزراعة، ودعمه هو دعم للريف واهله. ختاماً أذكر المواطن بالحملة التي قادتها جمعية حماية المستهلك العام الماضي في مقاطعة شراء اللحوم نسبة لارتفاع أسعارها غير المبرر، وذلك تحت شعار «الغالي متروك»، ومن هذا المنطلق علينا أن نمتنع عن شراء الطماطم بهذه الأسعار الخرافية، زائداً ما يحوم حولها من شبهات تحتاج لأن تخرج الجهات المسؤولة ببيان يطمئن المواطن بأنها خالية من كل الملوثات بشهادة المعمل والممارسة الحقلية. نصر الدين شلقامي رئيس جمعية حماية المستهلك