أثار مركز السودان للدراسات الإستراتيجية من خلال الندوة التي أقامها أمس حول أحداث أبو كرشولا وتداعياتها على العلاقة بين السودان وجنوب السودان، إثار العديد من التساؤلات الملحة التي مازالت تبحث عن إجابة، فيما وضع المتحدثون في الندوة على الطاولة مخرجات عديدة للأوضاع القاتمة التي لحقت بالبلدين جراء الأحداث والخروقات التي ترتكب بين الفينة والاخرى في البلدين. وتناول المتحدثون بالشرح والتحليل الخروقات الأخيرة في أبو كرشولا وأم روابة وتورط الجيش الشعبي والحركة الشعبية فيها، وما ألقته من ظلال سالبة على الأوضاع في البلدين. تنازلات الوطني وتساءل د. الفاتح محجوب المحلل السياسي عن مدى تطور العلاقة بين البلدين في ظل التدهور الحادث اليوم عقب الهجوم على منطقتي أم روابة وأبو كرشولا لما تتمتعان به من أهمية، وزاد إن أبو كرشولا تتمتع بخاصية أنها ستار يمكن أن يعيق تقدم القوات المسلحة جنوباً لأنها محاطة من جميع جوانبها بالغابات، بالإضافة لإمكانية جعلها قواعد حصينة يتعذر الوصول إليها. وقال إن الضغط الإعلامي هو الذي دفع الجيش الذي لم يكن مستعداً للمعركة فخسرها، مرجعاً تلك الهزيمة إلى انتشار الشائعات وضعف التحصين بين قيادات الحكومة، ولكنه أشار إلى تماسك الجيش أخيراً الذي استطاع أن يحسم المعركة لصالحه بعد أن حشد قواته. وفي مقارنة بين القوات المسلحة وقوات الجبهة الثورية أشار إلى تسليح الجبهة من خلال الدعم الخارجي بواسطة الجنوب وغيره من دول العداء والمجابهة مع السودان، ولكنه قال إن القوات المسلحة تتمتع بتفوق كبير رغم أن أكبر نقاط ضعفها تتمثل في الانتشار، مما كان لذلك الأثر في تحقيق انتصارات متباينة على الحركات وجبهات التمرد، ولكنه اشار الى إشكاليتها في التعامل مع الحروب الصحراوية وعدم مواكبتها لما يجرى في كل من ليبيا وتشاد ومالي أخيراً. وأضاف أن السودان يحتاج لحشد قواه بجانب حاجة الحزب الحاكم الى التوحد عبر برنامج عمل موحد يتم فيه الاتفاق على كيفية التداول السلمي للسلطة لتجنيب البلاد مآلات التدويل. ودعا المؤتمر الوطني إلى العمل بجد لإنقاذ البلاد من الهاوية بتقديم تنازلات للقوى السياسية، وقال إن السودان إذا ما أفلح في حشد قواه فإنه سيكون له تأثير في الجوار. أزمة تسريح الجنود وأشار محجوب عثمان إلى دعم الجنوب للجبهة المستمر الذي لم يتوقف منذ قبل الانفصال، وقال إن هناك تساؤلات كثيرة عن حجم دعم الجنوب للتمرد الذي لم يتوقف، وإن الاتفاقية لم تفلح في إيقاف هذا الدعم بشهادة المتمردين، وأشار إلى تقصير الحكومة المركزية وقتها في أنها لم تخضع حكومة الجنوب والجيش الشعبي لمساءلة، وأخذ على الحكومة تسريحها الجنود الجنوبيين الذين قاتلوا مع القوات المسلحة سنين عدداً، بقوله إنهم أحق بالجنسية السودانية من لاعبي كرة القدم، فيما يحتفظ الجنوب بالجنود الشماليين الذين قاتلوا معه، الشيء الذي دفع جوبا لتصبح مأوى لكل حركات التمرد. وقال إن هذا التجاوز بدأ قبل انفصال الجنوب، وأن حكومتي السودان والجنوب تعانيان أزمة داخلية تهدد بقاءهما رغم أن السودان يمتلك مقومات النجاح، لكنه أعرب عن مدى التفكك الذي صاحب القرار السياسي وانتشار الجهوية والقبلية بصورة أصابت نسيجه الاجتماعي بخلل واضح قاد إلى تفجر النزاعات والتمرد والصراعات بين القبائل المختلفة. وحول الجنوب قال إن الأزمة باتت واضحة تطل برأسها، وإن نسيج دولة الجنوب الاثني والقبلي أصبح المهدد الحقيقي لبقاء حكومته، بجانب الطبقة السياسية الفاسدة التي تحكم الجنوب وانعدام حالة الأمن ووجود رئيس لا يملك القوة الكافية لفرض هيبة قراراته رغم محاولته تجريد مرؤوسيه من رتبهم العسكرية. وقال إن أكبر مهدد لبقاء الجنوب بوصفه دولة هو الحركة الشعبية التي تصر على الدخول في حرب مع حكومة السودان رغم إن بنكهم الرئيس مازال يحمل اسم السودان واسمها كذلك، رغم أنها تحكم دولة أخرى بعكس السودان الذي يختلف مع الجنوب في كل شيء، فرئيسه يمتلك نقطة تعبئة غير معهودة. ولكنه قال إن من المهددات التي تواجهه قناعة قادته بنظرية المؤامرة والتي هي بشكل عام من الأمراض المصاحبة للدولة بجانب ضيق الحكومة بالرأي الآخر، وضيق الصدر من سماع الآراء المخالفة، إضافة إلى ضعف التنسيق بين مكونات الدولة والتصريحات المتضاربة التي ظلت أكبر مهدد يواجه السودان. التعامل بالمثل: وقال البروفيسور خالد حسين مدير المركز إن عدم وجود تفكير أو تخطيط في الدولة السودانية هو ما نتجت عنه هذه الحروب المذكورة، وقال إن الهدف مما حدث هو إفساد الاتفاق الذي تم بين الدولتين وكاد يضع حداً للخلافات نهائياً. ودعا الحكومة إلى التعامل مع الجنوب بالتحليل الكامل للمعطيات على الأرض واحترام الاتفاقيات معه، وقال إن العلاقة بين البلدين ما عادت تهمهما فقط، فهناك الفاعلون في المجتمع الدولي أيضاً تهمهم هذه العلاقة، ودعا إلى التعامل مع هؤلاء في سبيل منفعة الوطن، مشيراً بذلك إلى دور أولاد قرنق وأولاد أبيي واجتهادهم في عدم حدوث أي تقارب بين البلدين حتى لا يكون على حساب منطقة أبيي كما يرون. وقال إن المجموعات المتمردة كذلك تعلم أن أي تقارب وتفاهم بين البلدين يعني نهايتها، كما أشار إلى دور اللوبيات الدولية في أمريكا وإسرائيل التي ترى أن قوة السودان تعني قدرة تأثيره في الإطار المجاور، لذلك ظلوا يعملون للتأثير فيه بإشاعة الفتن والحروب ومحاولة تقسيمه لأكثر من دولة. ودعا المؤتمر الوطني باعتباره الحزب الحاكم الى تقديم المزيد من التنازلات للحفاظ على النسيج الداخلي وبقاء الدولة ومقدرتها على مجابهة الاعتداءات الخارجية والداخلية. وقال إن هذه الخروقات ستستمر على الحكومة من قبل الجبهة الثورية. ودعا إلى فتح الحدود والتعاون الكامل بين البلدين لضمان بقائهما، وأكد أن الجنوب يقف وراء كل الأزمات التي تلحق بالسودان، وأن رئيس هيئة أركان جيشه يقوم بترتيب كامل لما يدور من حروبات بالسودان، داعيا إلى عدم إدارة الشأن في السودان بعقلية شيخ القبيلة. إرادة القتال وقال اللواء عبد الرحمن أرباب مرسال في مداخلته إننا لا يمكن أن نقرأ التداعيات بمعزل عن الوضع العالمي، مشيراً إلى أن الدولتين تواجهان شبح الانهزام، ووافق على معظم ما جاء في الورقتين، ولكنه أشار إلى أن مشكلة الجيش تكمن في كيفية تقوية إرادة القتال التي لا تتم إلا بتوافق الشعب والحكومة باستمرار. ودعا إلى ضرورة التدريب والتأهيل وبالأخص للدفاع الشعبي، وعدم الزج بغير المدربين في أتون الحرب، وقال إننا نحتاج لمواثيق اجتماعية وعمل سياسي راشد ليوصلنا لتعايش مع مكونات المجتمع. وقال إن الحرب تجعل البلدين يخسران كل مكونات الاقتصاد ومقوماته، إلا أن الحرب في أبو كرشولا نتجت عنها فرصة إعادة العلاقات مع الجنوب وإنهاء ما يسمى قطاع الشمال، وقال إن البلاوي التي تصيبنا نتاج للتهاون وعدم المسؤولية، وهو خلل إن لم تتداركه الحكومة سيعجل بذهابها، مشيراً لما أصاب النسيج الاجتماعي في دارفور من حروب ونزوح ومجاعة، ودعا إلى تقوية المؤسسات الحكومية.