واحدة من آفات مجتمعنا السوداني المتجذرة تفشي فكرة الوصاية على الآخر... فإذا أردت تزويج ابنتك فإن هناك واجبًا قيميًا اجتماعيًا موروثًا انك يجب ان تشاور إخوانك واصحابك... بل إنه احياناً تجد حتى صاحب الدكان في الحي يسمح لنفسه بكل بساطة أن يتدخل في شؤون أفراد الحي.. فلان داك مفروض ما يعرس حسن لي بنتو.. حسن ده زول وهم ساي... ما لقيت غير الجنا ده تزوج لي بنتك... وسياسياً فإن معظم الأحزاب تريد لمريديها أن يتربصوا في خانة المنفذين بلا سؤال .. ولا نقاش... وواحد من الأحزاب التي تدَّعي أنها تقدمية كان أحد ثوابته الشعاراتية «نفذ ثم ناقش»... يتحايلون فيسمونه انضباط.. والتزام حزبي.. وما هو إلا وصاية تجعل منك شخصًا بلا وجدان.. ولا تأمل.. بل منفذ .. وحوار صغير في حضرة شيخ كلمته نافذة... وبصيرته حاكمة .... المثل السوداني العجيب.. بيت الشورة ما خرب.. في أحيان كثيرة هو مدخل لتفتيت أواصر سمحة.. وحلحلة لشمل عوائل مستبشرة.. حينما يتدخل شخص.. ليُنهي مشروع زواج قائم بدعوى حرصه على مصلحة أحد الأطراف... أو غيرها من وصايا مجتمعية منفرة وطاردة.... صحيح أن التشاور يفيد ويغني الرأي.... وصحيح أن المنهل الديني يقوم على الشورى.. قال تعالى.. وشاورهم في الأمر.. لكن ثمة فرقًا.. وبونًا شاسعً بين التشاور.. والوصاية.... فالتشاور يقوم على بسط أسس الحوار وتبادل الرؤى.. فيما الوصاية في الغالب تكون في حق مغلوب على أمره.... شاب يريد الزواج.. أو فتاة مقبلة على تكوين أسرة.. أو طالب علم يحتقب حقيبته.... ويهم بتوديع أهله طالباً للعلم خارج البلاد.... فيتفضل صديق للوالد برأي حاسم قاطع.... الود ده ما يمشي بلد الخواجات... هناك بضيع ولا بجيب ليك شهادة.... وتبقى العليك محكية في غنا عثمان اليمني.. أبوك تعبان يغزز في الهواليق.. يرسل ليك في القرش.. شان تلحقنا في الضيق.. انتا تاريك في بلد الترك.. ولداً مطيليق. وا خسارة عيشاً ما اكلو الجراد.. والحكمة بتيق... مع أن كثيراً من الأطباء والنابغين.. بروف عبد الله الطيب..... والطيب صالح.... ودكتور ابوسن.... وغيرهم... سدروا في بلاد الترك.. والأمريكان والإنجليز... وعادوا لأوطانهم ولأنفسهم بمجد مستحق.... وسيرة سائرة بين الركبان ... ما دعاني لهذه التحبيرة..... تلك الآراء التي نهضت تهاجمني.. معقول يا واثق ياخ.... تكتب في «الإنتباهة»... إلى آخر قالب التهم العجيبة.... وأقول لهؤلاء.... ومن لف لفهم... أنا مسؤول عمَّا اكتب ولا أُريد وصاية من أحد.... هذا اولاً.. محتاج لمنبر يوصل أفكاري.. هذا ثانياً.. «الإنتباهة» ليست مقفلة وموجهة لخط واحد هذا ثالثاً.... ثم إنها الأولى توزيعاً... والأكثر انتشاراً.