إبطاء الحسم واستسهال الأمور وتجاهلها من جانب الحكومة لكثير من القضايا الحساسة، خاصة تلك التي تتعلق بالنزاع سواء أكان بين الأهالي، أو بين الحكومة والأهالي، يظل هو بمثابة صب الزيت على النار سواء أكان بقصد أو دون ذلك، ويتخذ الموضوع بعداً آخر في ظل الاعتقاد بأن الحكومة في بعض الأحيان تدع القضايا الحساسة المتصلة بالنزاع بين الأهالي والقبائل دون حسم لتعزيز الحاجة إليها ولتسخين سوق الولاءات والوقوف في منطقة تسمح لها بالاختيار مع من تقف، صاحب الحق؟ أم صاحب القدرة على حشد الناس وتعبئتهم وإثارة الزوابع؟ أقول ذلك وقد سبق أن كتبت عن النزاع الذي بدأ ساخناً وخطيراً بين أهالي الرهد والدندر حول مياه الترعة المسماة «الرهد» والتي تشق منطقة الدندر بطولها وعرضها ولا يستفاد منها في ري شبر واحد من الأراضي الزراعية الخصبة التي أدمنت فشل المواسم الزراعية بسبب شح الأمطار وندرتها بمحلية الدندر.. هذا النزاع وصل إلى درجة اعتداء أهالي الرهد على آليات المشروع المقترح بمحلية الدندر، أما القائمون على الأمر هناك فقد حشدوا المزارعين وعبأوهم، وكان يمكن أن تقع كارثة وتسيل دماء لولا إعطاء معتمد الدندر الأوامر بسحب الآليات. الآن القضية برمتها أمام الحكومة المركزية لتبت فيها، غير أن كلمة الفصل التي ينتظرها المواطنون والمزارعون هنا وهناك من المركز تأخرت كثيراً، وقد طال الانتظار وتسلل الملل والإحباط إلى النفوس، وتعطل قيام المشروع الحلم الذي يراود أهل المنطقة، وترتب على هذا التأخير عدم التزام حكومة ولاية سنار وإدارة المشروع بما وعدوا به أصحاب الحيازات من نشر للكتيِّب الذي يبيِّن لكل مالك أرض مساحته التي يريد تأجيرها لإدارة المشروع، وهذا التأخير وإبطاء الحسم من جانب المركز عمَّق هوة عدم الثقة الموجودة أصلا بين حكومة سنار وأصحاب الحيازات بمشروع الجُزيرة المقترح وعطّل كل الإجراءات والترتيبات لقيام المشروع، وأغلق الباب أمام المستثمرين الذين كانوا قد أقبلوا بحماس للعمل في هذا المشروع، وتوقف حفر الترعة الفرعية لري المشروع. القضية المحورية في هذا النزاع هي أن الحكومة المركزية ممثلة في وزير الري السابق «كمال علي» ووزير الزراعة الحالي «المتعافي» قد أبدت موافقتها «كتابةً» على قيام المشروع وفقاً لشروط وإجراءات تم الإيفاء بها، وبناءً على ذلك شرعت إدارة المشروع في شق القنوات وتطهير الترعة الرئيسة، لكن كانت المفاجأة تراجع الوزير المتعافي بتصريحات عن موافقته «المكتوبة» السابقة تحت وطأة الحشود التي تمت تعبئتها كما يُعتقد، ولما كان الطرف الآخر يجيد لغة التهديد والوعيد والحشود ويملك ناصية الصوت العالي والحناجر الغليظة والقدرة على «الزعيق» في مقابل أناس يحترمون القوانين ويؤمنون بأن الحق باقٍ وماكث في الأرض والزبد سيذهب جفاءً مهما تعاظمت «رغوته»، لما كان ذلك كذلك كانت المواقف المتراجعة من جانب بعض مسؤولي الدولة، وكان كما يبدو الإبطاء وغياب الحسم على النحو المطلوب. وخلاصة القول أن استمرار تجاهل مثل هذه القضايا وعدم البت فيها سيجلب إليها كثيراً من التعقيدات، ولاحظنا بسبب هذا التأخير استفحال المشكلات بين أصحاب الحيازات وإدارة المشروع وحكومة الولاية، فهل يسعد الحكومة المركزية أن تراق دماء، أو تتصاعد المشكلات بين الأهالي وحكومة الولاية.